الفقد آفة الروح التي تأكل منسأة الجسد فلا عقار لها إلا اللقاء، فهو يكسر قيود الصبر التي يتقيد بها الإنسان حينما يفارقه من ملئ كونه حبا، فلا تراه إلا مصفرا، متورم الجفن، وجهه فارغ من الفرح، معدم اللون، فلا تحتاج بعدها أن تساله ما به لأن كل ما فيه يخبرك بأنه يعيش غربة الفقد.
الثورة عندما تشعل فتيلها فإن أكثر ما يستخدمه الطواغيت لقمعها هو القتل فمنذ القدم هو السلاح الذي يُتراهن على نتائجه، فمجرد أن يعلو صوت لمحاربة فسادهم وظلمهم يواجهوه بالقتل حتى لا يرتفع من بعده صوت آخر، وهكذا منذ بداية وجود الانسان حتى هذه اللحظة، ويبقى الصوت الحر المؤمن بمظلوميته وبظلم الآخر يحارب دون أن يأبه للموت يستمد قوته من (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ).
ومن أكبر الثورات التي انتصرت بدماء الثائرين هي ثورة عاشوراء التي خُلدتْ وبقيت شاهدا على الظلم والفساد آنذاك، ولم تقف الثورة بعد أن قتلوا أكثر من اثنين وسبعين فردا بأبشع الصور التي يندى لها التاريخ، هذه الثورة تزعمتها من بعد الحسين عليه السلام السيدة زينب حيث استطاعتْ بعد فقدها لكوكبة من الأخوة والأبناء والأصحاب أن تقف من جديد وتقول كلمتها في الشام تلك الخطبة التي أسكتت طاغية زمانها بالرغم مما كانت تعانيه من ألم السياط على المتون والذل والهوان حيث جابوا بهم البلدان وكل ذلك لا شيء مقارنة مع ألم الفقد والفراق الذي ينهك الفرد لوحده، جعل منها شبحا كأمها الزهراء عليها السلام حيث لم يتعرف عليها أقاربها بعد عودتها ورغم ذلك وقفت لتثبت موقفها وتكمل ما جاء من أجله أخيها ألا وهو اثبات الحق وكشف الفساد، بعد تلك الفضيحة لآل أمية قام يزيد بإرجاعها للمدينة ليتخلص من العار الذي لحقه أثر تعذيب النساء وهن حرائر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يردعها كسرها حين عودتها لمنازل أخوتها وفراغها منهم فراحت تبلغ الناس بظلم يزيد وفساده وما فعله وجيشه بالرجال والنساء والأطفال وتلاعبه بدين جدها وأبيها وبأحقية أخيها بالمسلمين وأمرهم حتى قلبت المدينة ضد الطاغية فأمر أن يأتوا بها إلى الشام وهناك وافتها المنية بعد أن استطاعت أن توصل ثورة الحسين عليه السلام إلى الأجيال.
فالثورات بعد الكسر تعود بقوة إذا كانت صادرة من عمق ايماني وإرادة حقيقية للتغيير وثورة العراق اليوم ما هي إلا امتداد لثورات رفض الباطل والظلم.
اضافةتعليق
التعليقات