وصفت الأمم المتحدة مفهوم التضامن البشري بـ"أساس الاستقرار الدائم والسلام في العالم".
ويحل الحدث السنوي هذا العام وسط احتياج وباء قضى على الآلاف وأسقط مئات الآلاف في براثن الفقر والعجز والمرض، ما يستدعي مزيدا من التكاتف والتضامن الإنساني للخروج من عنق الزجاجة.
حيث اعتبرت أن اليوم العالمي للتضامن 2021 يكتسي أهمية كبيرة لمواجهة الأزمات والتحديات التي يواجهها سكان كوكب الأرض، وعلى رأسها جائحة "كوفيد- 19".
ولا سبيل لنجاة البشرية سوى بالتعاون في التنمية المستدامة بينهما ليعيش سكان الكوكب في سلام.
التضامن هو "أحد القيم الأساسية للعلاقات الدولية في القرن 21، حيث يستحق الذين يعانون (ومن لم يستفيدون كثيرا من العولمة) المساعدة والعون ممن استفادوا كثيرا منها، وبناء على ذلك، يغدو تعزيز التضامن الدولي، في سياق العولمة وتحدي تزايد التفاوت، أمرا لا غنى عنه".
وعززت الأمم المتحدة مفهوم التضامن من خلال مبادرات من قبيل إنشاء صندوق تضامن عالمي للقضاء على الفقر، وإعلان اليوم الدولي للتضامن الإنساني، بوصفه عنصرا حاسما في القضاء مكافحة الفقر وإشراك جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة.
وتحيي دول العالم هذه المناسبة بعد اعتماد زعماء الدول أهدافا عالمية جديدة تسمى "أهداف التنمية المستدامة"، التي تعد جدول أعمال جديد وشامل للقضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان الكرامة للجميع.
التضامن في الإسلام
يقوم التّضامن في الإسلام على التّعاون في أمور حياة الأفراد في المجتمع، وشؤون مُجتمعهم، ويقوم القادر من أفراد المُجتمع بتقديم العون تجاه باقي الأفراد، فالتّكافل الإسلامي يقوم على العَوْن والمُساعدة بلا مُقابل.
ويُعرف التّضامن أيضاً بالتّكافُل الاجتماعي أو المُجتمعي: بحيث يتشارك أفراد المُجتمع فيه بالحِفاظ على مصالحهم العامّة والخاصّة، والتّعاون فيما بينهم لدفع الضرر عنهم، وجلب المصالح لهم، وتأدية كُلّ فردٍ لِواجباته، وأخذ ما له من الحُقوق، وأوّل من وضع الأُسس والتعاليم لِنظام التّكافل والتضامن هو الإسلام، وذلك من خلال وضعه لتعاليم تقوم على التّكافل الاجتماعي، وتحقيق التّعاون والمواساة بين أفراده؛ كالزّكاة والصّدقة.
كما ان للتضامن في الإسلام الكثير من الأهمية، وبيانها فيما يأتي:
لازمٌ من لوازم الدّين، ودعامةٌ من دعائمه، وتتأكّد هذه الدّعامة عند اجتماع الأعداء ضدّهم، كما أنّهُ يعدّ استجابةً لأمر الله -تعالى- في قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، فهيَ سببٌ من أسباب القوّة، والمجد، والنّجاح في جميع شؤون الحياة، وقانونٌ من قوانين المُجتمع المُتحضّر، كما أنَّه يُلبّي الحاجة في ظلّ الظروف المحيطة، فلا بد من وحدة الصّف وإزالة النزاعات، ويُعبّر التّضامن عن مشاعر المسلمين ووحدتهم.
نتيجةٌ حتميّةٌ من دعوة الرُّسل جميعهم؛ لأنَّهم دَعَوا النّاس إلى عبادة الله -تعالى- وحده، قال الله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
حاجةٌ مُجتمعيّة، فالإنسانُ بطبعه يُحبّ التّجمع والاجتماع، ويَكره العُزلة والانفراد، وقد جاء عن ابن خُلدون: أنَّ قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء.
كمالٌ للإيمان، لِقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم -: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)؛فبيّن الحديث أنَّ من كمال الإيمان الإحسان إلى الآخرين، فينبغي على المُسلم إشعار غيره من المُسلمين بأهميّة وقيمة الأخوّة بينهم،
لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، فمن حقّ المُسلم على أخيه أن يُعاونه ويواسيه إن احتاج إليه.
التّضامن له مكانة عالية في المُجتمع، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) فالتّكافل والتّضامن ليس قائماً على الجانب المادي فقط، وإنّما يشمل الجانب المعنويّ والفكريّ، وغير ذلك من المجالات، بل وتعدّى الأمر إلى أعظم من ذلك، حيثُ دعا الإسلام المسلمين إلى التّعاون مع غيرهم على اختلاف مللَهم وعقائدهم بشرط عدم مُحاربتهم أو مُعاداتهم للمُسلمين، لِقوله -تعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).
التضامن في زمن الكورونا
إذا ما كان لا بد من إظهار التضامن الإنساني، فإنه سيكون خلال الجوائح التي تضرب البشرية جمعاء من دون تمييز بين الدول والشعوب. وما جائحة كورونا إلا إحدى هذه الجوائح التي كان ينبغي أن يظهر فيها التضامن الإنساني في أعلى مستوياته.
إذ أظهرت هذه الجائحة أنه على الحكومات في جميع أنحاء العالم، ضمان استمرار توفر الخدمات الصحية الأساسية وحماية النظم الصحية. ومساعدة الناس على مواجهة الشدائد من خلال الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية، وحماية الوظائف ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وعلى جائحة كوفيد-19 أن توفر للدول فرصةً لوضع خطط للقيام بعملٍ أكثر، باستخدام موارد أقل. وفصل النمو الاقتصادي عن التدهور البيئي، وزيادة كفاءة الموارد. فتحذيرات المؤسسات الدولية تنصب على أن تأثير كوفيد-19 سيكون مدمراً للغاية في المدن المكتظة بالسكان، خصوصاً بالنسبة لمليار شخص يعيشون في مستوطنات عشوائية وأحياء فقيرة في جميع أنحاء العالم، حيث يجعل الاكتظاظ اتباع التدابير الموصى بها مثل التباعد الاجتماعي والعزل الذاتي أمراً صعباً.
وقد عمق كوفيد-19 أوجه التفاوت القائمة، وسلط الضوء على أوجه التفاوت الاقتصادي وعلى شبكات الأمان الاجتماعي الهشة التي تترك الجماعات الضعيفة تتحمل العبء الأكبر من الأزمة، خصوصاً بعد ما زادت البطالة على الصعيد العالمي بشكل كبير وخفضت دخول العمال بشكل جذري.
وبالطبع، فإن من أهداف هذا اليوم دفع الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم خلال الأزمة، واستغلالها كي تشكل دافعاً للحفاظ على المكاسب والتعجيل بتنفيذ التدابير التي طال انتظارها من أجل وضع العالم على مسار تنمية أكثر استدامةً وجعل الاقتصاد العالمي أكثر مرونةً في مواجهة الصدمات المستقبلية.
أهمية التضامن
إنّ التضامن هو من الأخلاق التي دعت إليها مجموعة من الدول العظيمة التي تنادي بالإنسانية وتنبذ جميع الأخلاق التي تناهض ذلك، وقبل تلك الدول ومنذ ألف وأربعمئة عام دعا رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم- إلى تضامن النّاس بين بعضهم البعض، وقد تجلى ذلك لمّا آخى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما بين المهاجرين والأنصار، فكان الأنصاري يقسم ماله وأملاكه وضيعه مع المهاجر، وهذا أكبر مثال على كل أنواع التضامن الاجتماعي التي تجلت كلها في موقف واحد، إذ تعد المؤاخاة تضامنًا اقتصاديًا وسياسيًا ونفسيًا.
إنّ التضامن يُخرج الإنسان من أنانيته التي تحاول دائمًا أن تسيطر عليه وأن تحبسه في سجن الأنا الذي يقضي دائمًا بموت الفضيلة في النفس الإنسانية، ولكنّ التضامن يكون هو الكاسر الحقيقي لقفل الذات فتتحرر نفس الإنسان وتعلو عن كل الدّنايا والرذائل فلا يكون همه سوى مساعدة أفراد مجتمعه وتقديم العون الدائم لهم، وللتضامن أهمية عالية في العمل في المؤسسات الاجتماعية، بحيث يخرج الإنسان من نطاق نفسه والعمل بشكل منفرد وينطلق إلى العمل الجماعي الذي يتضامن فيه الناجح مع زميله الأقل نجاحًا فيكونون جميعًا مثل خلية النحل التي تعمل معًا من أجل النجاح فقط ولا شيء غيره.
إنّ الإنسان لمّا يشعر أنّ أخاه يحبه ويحس بالهموم التي ترهق كاهله ويعلم أنّه متضامن معه نفسيًا وعاطفيًا وأنّه مستعد لتقديم أي مساعدة له يشعر بالراحة في داخله، ويحمل كل واحد منهما المشاعر النبيلة للآخر، فينتشر الأمن والسلام في أفراد المجتمع بدلًا من الأنانية المرهقة لكافة أشكال الفضيلة، والتي تنشر البغضاء والحقد بين أفراد المجتمع الواحد، عدا عن الذي لا يريد الإنسان من ورائه ربحًا ماديًا بل يريد دعوة لطيفة له في ظهر الغيب.
التضامن من أعظم الأخلاق التي إن امتلكها الإنسان فقد امتلك زمام الخير والفضيلة، ولا يتحقق التضامن ما لم يشعر الإنسان بهمّ أخيه الإنسان، التضامن هو اللفظة التي تشعر بالأمان عند حلول الخوف، فيعلم الواحد من أفراد المجتمع أنّه ليس وحيدًا، بل كثيرة هي الأيادي التي ستنشله من بين الحجار التي قد تعثر بها، فتطمئن روحه وتستبشر نفسه ويعلم أنّ هذه الدنيا ما زالت بألف خير ما بقي فيها أناس يشعرون بغيرهم، ويقدمون لهم المساعدة دون فائدة ترتجي من وراء ذلك.
اضافةتعليق
التعليقات