هلَ هلال رمضان، وهبّت القنوات الفضائية تتنافس في سباق محموم بتقديم وجباتها الدسمة والمغرية من المسلسلات والبرامج والمسابقات الرمضانية.
باقة رمضانية متنوّعة تتسابق المؤسسات الاعلاميّة في عرض رصيدها السنوي من خلالها، فبات شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار شهر اللهو والسهرات التي لاتسمن ولاتغني من جوع، هذا إن لم تكن محرّمة في بعض الاحوال.
ليس بجديد معرفة دور الاعلام المناوئ وآثاره السلبيّة الواضحة على الفرد والمجتمع في كل زمان ومكان، لكن يحزّ في النفس أن يجد له موضع قدم - بل أقدام- في شهر هو من أفضل الشهور وأيامه من أفضل الايام.
فمعظم وسائل الاعلام شوّهت وجه رمضان الحقيقي وفرّغته من محتواه الروحاني الملائكي، وذلك عن طريق الاعلام الفاسد وبرامجه التي يُصرّف عليها الملايين بميزانيات هائلة لعرضها في هذا الشهر بالذات!!.
فلماذا هذا الحشد الدرامي الهائل؟! ومن الذي يقدّمه ويدعمه؟!
ناموا ولاتستيقظوا!
يقول الشاعر ساخرا: ناموا ولاتستيقظوا.... مافاز إلّا النُوّم!!
وبالتأكيد لانقصد هنا النوم في هذا الشهر الفضيل، فالنوم فيه عبادة والأنفاس فيه تسبيح كما يقول الرسول الأكرم(ص)، و"يا حبذّا نوم الأكياس".
وإنما الشاعر يستهزئ بنوم الغفلة وعلى سبيل المثال فرص الخير التي نعيش ظلالها في هذه الأيام والليالي ونحن نتركها تمر مرور الكرام.
وعودة الى بدء والى سؤالنا الاستنكاري والذي نعرف جوابه مسبقا، وهو هدف الآلة الاعلاميّة التي لاتكل ولاتمل وخصوصا في رمضان ومحاولاتها الكثيفة في تنويم البلاد عن طريق الهاء الناس ولاسيما الشباب و النساء، فتعرض كما كل عام أدواتها الذكيّة في ذلك.
وفي هذا السياق يوجد رسمة كاريكاتوريّة ظريفة تعبّر عن هذا الواقع الأليم وهي صورة للتلفزيون في رمضان و ذبذبات تخرج منه تشدّ الجالس بمحاذاته لا إراديّا، أي كطريقة التنويم المغناطيسي وتلك حقيقة مؤلمة.
وأمّا عن موضوع التوقيت الدقيق وهو هذا الشهر حيث تُقدم أجمل وأفضل البرامج والمسلسلات، فهناك عدّة مبررات، نذكر منها سببين ظاهري وباطني..
أولا: وهو مايتبادر الى ذهن أي انسان ويراه منطقي وواقعي، فإنّه حرق للوقت الطويل والشاق ولاسيما وأنه يزامن فصل الصيف، فالانسان يحتاج الى الترويح عن النفس والانشغال بشيئ عن الجوع والعطش والتعب حتى موعد الافطار.
ثانيا: وهو الهدف الجلي على الفطِن والخفي على الجاهل..
فلأعدائنا وعي أعمق من وعينا بأهميّة رمضان ورسالته، فهو فرصة للتغيير والتوازن واختبار للصبر وعكازة للارتقاء، فالصوم يصقل شخصيّة الانسان ويشذّب عاداته السيئة، وهم بالتأكيد أعداء التغيير والتطوّر، لذلك لابد من إلهاء الفرد عن كل هذه القيم الروحيّة والنفسيّة والاجتماعية، والاعلام كما في كل معضلة هو الحل والدواء الناجع!!
فكان مبدأهم في ذلك "من اشتغل بغير المهم.. ضيّع الأهم"، فكيف بالاشتغال بالسموم المدسوسة بالعسل!!
و"العيون مصائد الشيطان" كما يقول الامام علي(ع)، وقد تمّ تجهيز هذه المصائد بحرفيّة وبفن عالي، ونظرة خاطفة الى ما يُعرض يؤيد ماذكرنا، فهم يسرقون الكحل من العيون كما يُقال، فلم تحترم تلك البرامج والمسلسلات قدسيّة وحرمة هذا الشهر، وتاجروا برمضان على حساب المصلحة والمال ولايخفى على أحد هويّة مديري وأصحاب هذه القنوات وهم أمراء معروفين وعلى علاقة وثيقة باليهود.
رفقاً بضيف الرحمن..
لا بد من تحذير الجميع من مغبّة مانحن عليه، فالهوّة لاتفتئ تزداد كل عام بيننا وبين هذا الشهر العظيم، والبلاد تغرق في مستنقع الارهاب والفساد والفقر، ونحن بأمسّ الحاجة الى خطوات الخير التي تتشعب في هذا الشهر، فالدين والوطن والانسان بحاجة الى الدعاء و المؤازرة والتكافل ضد هذه الهجمة، فتلك الأجندات حاولوا ولايزالون بتشويه صورة الاسلام والجهاد والحجاب.... وكذلك رمضان بإشغال الناس بأجواء لاتليق بقدسيّته.
والحل ليس "بإدارة وجه التلفاز ليواجه الحائط طول شهر رمضان" كما يقول أحد الكتّاب وهو ماتفعله والدته في كل عام، فنحن في زمن تتكاثر فيه الأجهزة التقنيّة بالانشطار وهناك بدائل بلا شك.
إنما العلاج يكمن في غربلة للنظام والبرنامج اليومي لكل أفراد العائلة عن طريق إلغاء هدر الوقت والعمر في القنوات الغير هادفة وابدالها بأخرى كحضور الأمسيات القرآنية وإقامة موائد الافطار وصلة الرحم ومساعدة الفقراء والمساكين بالصدقة، ولابأس بمشاهدة بعض البرامج المفيدة والمحترمة والمسليّة من التي تعرضها بعض الشاشات.
ومن المؤسف أن يعرف قيمة رمضان بعض البعيدين عن الدين كالشاعر ابو نؤاس ونحن المغبونون في هذا الشهر الفضيل، فيقول: منع الصوم عقارا.. وذوى اللهو فغارا
وبقينا في سجون الصوم للهم أسارى.. غير أنا سنداري فيه ماليس يدارى!!
فهلّا استيقظنا من سباتنا، ودارينا شهر الله؟!
اضافةتعليق
التعليقات