سأبدأ بموعظة وحكاية الكل ينتظرها ويعمل من أجلها، تنثر عبيرها انتظاره الفواح في أرجاء الأكوان فالدمعة ساكبة حتى ظهوره، حيث ينقل احد المشايخ من العلماء والمجتهدين، يقول: جاء إليَّ احد الشباب ودموعه تنهمر على خديه ويداه ترتجفان وقد بدا عليه الحزن الشديد فمسكت يديه، وقلت له: هوّن عليك يا ولدي ....
ماذا بك؟.. قال لي بصوت حزين:
يا شيخ رأيت رؤيا في منامي ...!كأنني جالس في البيت واشاهد التلفاز اذا بجرس البيت يرن ....
يقول: كان لدينا جرس يحتوي على كاميرا خارجية ..رفعت السماعة وقلت من في الباب ..ورأيت سيداً جليلاً ذا وجهٍ حسن.
قلت: من عند الباب؟..
فقال السيد: منزل فلان وذكر اسمي ...
فقلت له: نعم! من انت؟.
فقال لي: انا سيد مهدي ...هل تأذن لي بالدخول؟ هل تفتح لي الباب لأدخل..؟.
عندها أحسست أنه الامام المهدي (عج) فالتفت الى البيت يمينا وشمالا فرأيت ان لدي اشياء لا تليق بوجود الامام.. هاتفي كان فيه اشياء لا يرضى بها الامام، كان التلفاز يعمل على قناة لا تليق بوجود الامام وأوراق القمار مبعثرة على الارض وغيرها من الموبقات التي تدمي قلب الإمام، وهي غير مناسبة لوجوده المبارك، عندها قلت له سيدي انتظر عدة دقائق فقط لأجهز البيت.
وضعت سماعة الجرس على وجه السرعة ورفعت كل ما لا يليق بوجود الامام وألقيته في الخزانة وذهبت اهرول الى باب البيت ..
فتحت الباب فلم اجد الامام المنتظر ...خرجت الى الشارع ورأيت الامام وقد ابتعد، عندها التفت الي الامام والدموع جارية على خده الشريف قال: يا ربي طرقت ابوابهم فردا فردا فلم يستقبلني احد ..كلهم قالوا اصبر عدة دقائق، وقفت عند ابوابهم، ولكنهم لم يكونوا مستعدين لرؤيتي ولا ينتظرون لقياي، فلم يستقبلني احد منهم، كلهم مشغولون عني، اغلبهم لا يذكرني حتى بدعاء، الهي انا من ينتظرهم ليستعدوا وليس هم...
يا سيدي الغريب ...يا سيدي الوحيد ...
على من تستطيع ان تعتمد، إذ نحن لسنا مستعدين لظهورك ..
الجميع ينتظر طلوع إمام يملأ الأرض قسطا وعدلا، وآه من فراق ألمّ بنا ما أصعبه، أعد فيه ثانية ثانية.. ويوما بعد يوم.. وكل جمعة أكون متلهفة إليه وقلبي يتوق الشوق للقياه فأجرّ الحسرة ليس فقط علي، بل على الكثير من البشر الذين يدعون الإمام للظهور وهم غائبين عنه، يذكرونه فقط بدعاء ولكن لا نعمل شيء من أجله فالكل يعمل لنفسه ودنيته وملذاته وشهواته التي لا تنتهي، فيا له من عالم ملأ القلوب بالسواد واللامبالاة بشيء، هل منا من سأل نفسه: نحن من نكون حقا، من ناصريه ومن منتظريه الصادقين معه؟.
فوجدت الجواب ب لا.. لم يوجد هناك أحد، عجبا كل العجب لقوم يريدون ويدعون الله بفرجه وهم غير عاملين في حق من حقوقه!!
علينا أن نعلم اذا أردنا نكون من منتظريه، فعلينا أن نسعى سواء كان الفرد المنتظِر، أو المجتمع المنتظِر إلى تحقيقه والوصول إليه هو جوهر الحب ولبّه وأصل العشق ومعدنه ومنبت الوله ومركزه.
لا بدّ للمنتظر من السعي الجاد والفاعل لاستشعار حضور الإمام (عليه السلام) وتنسم عبيره الفواح والهيام به والشوق للقياه، وأن لا يقرّ له قرار ولا يهنأ له عيش ولا يهدأ له بال ولا يرقأ له دمع إلاّ باكتحال ناظريه بطلعته الرشيدة وغرته الحميدة.
فما أروع صورة الحب وهي تتجلى في زيارة (آل ياسين) حيث تلتهب عواطف المحب وتجيش لواعج عشقه فيبعث بسلامه ليس إلى شخص الحبيب فحسب بل لكل سكناته ولحظات حياته وخفقات قلبه، فتراه يقول: (السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ... السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقْنُتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى... ).
نعم هذا هو كنه الحب ومعدنه وأصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه، من هنا يجب أن نبدأ المسير وتتحرك قافلة المنتظرين ونتعلم كيف نحب وكيف نعشق، فنحن بحاجة إلى مناجاة الإمام وعطفه ورأفته. نحن بحاجة إلى استشعار حضور الإمام عليه السلام لا مجرد وجوده المقدس. نحن بحاجة إلى التعلم خطوة بعد خطوة ومرحلة تلو أخرى من أجل الوصول إلى الهدف المنشود والعلم المنصوب والأمل المصبوب والغوث والرحمة الواسعة..
هكذا يكون الانتظار..
اللهم عجل لوليك الفرج واجعلنا من أنصاره.
اضافةتعليق
التعليقات