إذا ما حاولنا النظر على امتداد التاريخ الإنساني فسنلاحظ أنه لم تمر مرحلة من المراحل إلا وانتهكت فيها جملة من حقوق الإنسان، سواء في الماضي كما في الحرب العالمية الثانية أو في الحاضر مثل ما يحدث في كل من سوريا وبورما. انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة على الرغم من مرور 70 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث وقعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948، على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد أن أقرتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث اتفقت جميع الدول على صياغة نظام قيم عالمي موحد يطبق على جميع البشر من دون تمييز، حيث نص في مادته الأولى «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق». يشتمل ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ترجم إلى 500 لغة، 30 بنداً، تؤكد على الحقوق الأساسية للإنسان.
هذه الوثيقة جاءت رداً على كابوس الانتهاكات والأعمال الهمجية في الحرب العالمية الثانية، خصوصاً الحركة السياسية النازية بقيادة هتلر وجرائم الإبادة التي تعرض لها الشعب الأمريكي الأصلي في أمريكا واليهود في أوروبا وغيرها من الجرائم بحق الإنسانية. وعلى الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة عالمية شكلت نقطة تحول جذرية في حياة البشرية، لكن ما زالت الكثير من بنودها حبراً على ورق.
ورغم أن الإعلان ليس وثيقة ملزمة، فقد شكل مصدر إلهام لأعداد أكثر من 60 صكا من صكوك حقوق الإنسان، تشكل مجتمعة مرجعا دوليا لحقوق الإنسان.
وكل عام، يتم اختيار موضوع للفت الانتباه إلى جانب معين من الجهود المبذولة لدعم حقوق الإنسان. الموضوعات المختارة تاريخيا تنوعت بين إنهاء التمييز، ومحاربة الفقر، وحماية ضحايا الانتهاكات وغيرها.
ومنذ عام 1968، الذي صنفته الأمم المتحدة السنة الدولية لحقوق الإنسان، منحت المنظمة بشكل دوري جائزة الأمم المتحدة في هذا اليوم.
ويقوم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بتنسيق الجهود العالمية للاحتفال، وتقام المؤتمرات وتنظم الاحتجاجات.
وتاريخيا لاقت هذه الفعاليات نتائج إيجابية غيرت أنظمة وحددت مستقبل شعوب. وعلى سبيل المثال، أفضت أعمال العنف التي واكبت مظاهرة يوم حقوق الإنسان في كاو-شيونغ في تايوان عام 1979 إلى عملية تحول ديمقراطي في البلاد. وبالمثل، ساهمت سلسلة من المظاهرات الحاشدة في ذلك اليوم من عام 1989 في منغوليا في التعجيل بانهيار الحكومة الشيوعية في العام التالي.
وتجسد الحروب أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في الوطن العربي، وأبرز مثال بلدنا العراق وكذلك سوريا بكل ما يتعرضون له من تهجير وقتل وتجويع. كما لا ننسى فلسطين التي تتصدر جميع القوائم في انتهاكات حقوق الإنسان منذ بداية النكبة وحتى الآن. وتنبع وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من تجربة تاريخية مريرة طويلة لصراع الإنسان مع أشكال التفريق والعنصرية والاضطهاد كافة، وهي أفادت بلا شك من الإنجازات الفكرية الإنسانية في هذا المجال، غير أن هذه المثاليات لم تجد طريقاً إلى أرض الواقع في أغلب الأحيان، يقول هاينر بيلفيد مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان إنه لا تزال «انتهاكات حقوق الإنسان موجودة في العالم كما كان عليه الوضع في السابق، فالعالم لم يصبح أفضل مما كان عليه، وكذلك وضع الإنسانية».
العالم حالياً يعيش مفارقة صارخة على هذا الصعيد، ليس المقصود أنه يستحيل تطبيق مضامين حقوق الإنسان على الإطلاق، حقيقة الأمر أننا بوصفنا عرباً، بصورة عامة، تعودنا على أخذ كل ما هو جاهز من أفكار ومشاريع، وأوقفنا عقولنا وسمحنا لغيرنا بأن يفكر ويقرر بدلاً منا، هذا يجعلنا قابعين في مكاننا، نكتفي بالتفرج على الأحداث التي تدور من حولنا، لا نتطور أبداً بل نتأخر كثيراً عن ركب الحضارة، لذلك، فمن الطبيعي جداً أن تنتهك حقوقنا.
ماهي حقوق الانسان؟
حقوق الإنسان تتبع لكل شخص منا ولنا جميعاً بالتساوي. ومع بعضهم، كما تحكم علاقتهم بالدولة والالتزامات التي تقع على كاهل الدولة نحوهم.
يُلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات بالقيام بتصرفات محددة، ويمنعها من القيام بتصرفات أخرى. وثمة مسؤوليات على الأفراد أيضاً: فمن خلال استخدامهم لحقوقهم الإنسانية، يجب عليهم أن يحترموا حقوق الآخرين. ولا يحق لأي حكومة أو جماعة أو فرد القيام بأي شيء ينتهك حقوق الآخرين.
إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية وغير قابلة للتصرف. فهي حق لكل الناس وفي كل مكان في العالم. وليس بوسع أي أحد أن يتخلى عنها طوعاً، كما لا يمكن للآخرين سلبها من أي شخص.
إن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة. وسواء أكانت حقوقاً مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فهي جميعاً حقوق متأصلة في كرامة كل كائن إنساني. وتبعاً لذلك، فإنها جميعاً تتمتع بوضع متساوٍ كحقوق. وليس ثمة شيء يدعى حقاً ’صغيراً‘، وليس ثمة تراتبية في حقوق الإنسان.
غالباً ما يعتمد إعمال أحد الحقوق، كلياً أو جزئياً، على إعمال الحقوق الأخرى. فمثلاً، قد يعتمد إعمال الحق في الصحة على إعمال الحق في التعليم أو الحق في الوصول إلى المعلومات.
جميع الأفراد متساوون ككائنات إنسانية بحكم الكرامة المتأصلة في الكائن الإنساني. ويحق لكل الناس التمتع بحقوق الإنسان دون تمييز من أي نوع، من قبيل التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الأصل الإثني أو العمر أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي وغيره من الآراء، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الإعاقة، أو الملكية، أو مكان الولادة، أو أي وضع آخر، وحسبما توضح الهيئات المنشأة بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان.
ويحق لكل شخص ولجميع الناس المشاركة الفاعلة والحرة والجدية في التنمية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن إعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية من خلالها، والمساهمة في هذه التنمية والتمتع بها.
لذا يجب على الدولة وغيرها من الجهات المكلفة بالمسؤولية أن تمتثل للأعراف والمعايير القانونية المكرسة في صكوك حقوق الإنسان. وإذا ما أخفقت في ذلك، يحق لأصحاب الحقوق المتضررين الشروع في إجراءات أمام محكمة مختصة أو أي جهة تحكيم أخرى للحصول على إنصاف ملائم، ووفقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها بالقانون.
الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة؟
للوهلة الأولى تبدو حقوق الإنسان والديمقراطية في علاقة مواجهة وتناقض متوترة لا يمكن حلها: بينما تدافع حقوق الإنسان عن حقوق مجموعات وأقليات، يمكنها استخدام هذه الحقوق بالذات في مواجهة الغالبية، فإن الديمقراطية تُقِر وتَفهَم ضِمنا حُكمَ الأغلبية. هل يمكن إذا باسم الديمقراطية وتحت شعار سيادة الشعب الضغط على بعض الحقوق والحريات الفردية؟ هل يمكن اعتبار بعض المحاكم "غير ديمقراطية"، لأنها تشكك، وتطرح تساؤلات حول قرارات الأغلبية البرلمانية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية الأقليات؟ مثل هذه اللعبة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، بين الأكثرية والأقلية، تروج لها الأنظمة الاستبدادية وتروج لها أحيانا تحت شعار الديمقراطية الليبرالية، ويفوتها أن حماية حقوق الإنسان ليست عقبة، وإنما تمثل حالة الاستخدام الوظيفي للديمقراطية المستدامة.
حقوق الإنسان تضمن الانتخابات الحرة العادلة في ظل شروط المساواة السياسية. حقوق الإنسان تشكل ضمانة للعلاقات المنفتحة وحرية التعبير والرأي. حقوق الإنسان تؤمن التطبيق العملي للقرارات التي تمت على أساس ديمقراطي وتساعد القيادة الديمقراطية على تحقيق المزيد من الفعالية في الأداء. ومن خلال قيام حقوق الإنسان بضبط قوة الأغلبية، فإنها تتيح في الختام قبول الافراد والأقليات للقرارات المتخذة على أسس ديمقراطية والتعايش معها: الديمقراطية تقدم للأقلية احتمال أن تصبح هي الأكثرية.
حقوق الإنسان تضمن للفرد حماية واحترام مصالحه، حتى في حال عدم انتمائه للأغلبية. وكما أن حقوق الإنسان يمكنها الانطلاق والترسخ في ظل المناخ الديمقراطي، فإنه لا يمكن تصور السلطة الديمقراطية المستدامة بدون احترام وحماية وتحقيق حقوق الإنسان. حقوق الإنسان والديمقراطية ليستا في أي تناقض أو تعارض، وإنما تشكل كل منهما شرطا لقيام ونجاح الآخر ضمن المجتمع السياسي. ومن خلال تأثيرها المشترك تتيح للفرد حياة تقوم على أساس حرية تقرير المصير الذاتي والجماعي. لهذا فإن حماية وتحقيق حقوق الإنسان تشكل حقا أساس المشروع الديمقراطي.
حقوق الانسان في الإسلام
يقول سماحة المرجع الشيرازي: ذكر التاريخ أن جمعاً من أعداء الإسلام جاءوا من مكّة إلى المدينة وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن خسروا المعركة، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ ويتأوّه الليل كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله عليه وآله ليصلّي بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!! أي أنه صلى الله عليه وآله كان متألماً على حال ذلك الأسير وهو عدوّه. وعقّب سماحته: هل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الأخلاق العظيمة عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟ إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله هو التعبير الصادق عن حقوق الإنسان، وليس ما يدّعيه الغرب وما يدّعيه حكّام الدول الإسلامية، فادّعاؤهم ليس إلاّ كذب في كذب. فلاحظوا كيف يتعامل الحكّام مع شعوبهم فضلاً عن عدوّهم. إنهم يقمعون شعوبهم حتى لأبسط مظاهرة.
تحقيق العدالة الاجتماعية
في العراق تجربة سياسية لا تزال غضّة، ولكن يمكن ملاحظة فقدان العدالة في الدولة العراقية منذ تأسيسها الحديث في عام 1921، حيث تعاقبت حكومات ملكية وجمهورية، يليق بها تماما وصف (الحكومات الفاشلة) بسبب فشلها في تحقيق التوازن بين الواجبات والحقوق، ولهاثها المحموم نحو حماية عروشها بالنار والحديد، كل هذا وسواه، قاد إلى معاناة هائلة ومتواصلة، تعرض لها الشعب العراقي، حيث فقدان الحقوق المدنية وسواها، مع اهمال منقطع النظير لحقوق الانسان، وتجهيل متواصل أيضا للشعب، مع حرمانه من الوعي والثقافة والتنوير، بسبب محاربة الحكومات لكل ما يتعلق بالتنوير والتثقيف.
هذا المشهد التاريخي المؤلم والمتواصل الذي تعرض له العراقيون يتطلب جهدا استثنائيا يصب في مجال حماية حقوق الانسان في هذا البلد، وتنبيه قادة العراق السياسيين إلى أهمية الحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم، وإلى الربط بين القول والفعل، والابتعاد عن أساليب الخداع والتضليل التي غالبا ما يلجأ إليها الحاكم المستبد من خلال الاستقواء بحكومة مستبدة أيضا، لذا فالمسؤولية مشتركة، والهدف كبير وغاية في الأهمية، لكن العمل من أجله ينبغي أن يكون محط اهتمام وأنظار الجميع تتقدمهم النخب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (وظيفة الحكومة الاسلامية تجاه الأمة، هي حفظ العدل بين الناس، داخلا وخارجا، والدفع بالحياة إلى الأمام، وتوفير الفيء من الرزق والمال عليهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم).
هكذا ينبغي العمل على المستويين الرسمي والأهلي في صيانة حقوق الانسان بالعراق وعموم الدول خصوصا التي تضع الدين الاسلامي عنوانا في دساتيرها وأنظمتها السياسية.
وكثيرا ما يُثار جدلا كثيرا حينما نتحدث عن فقدان الحقوق في معظم دول الشرق ومنها الدول الاسلامية والعربية، حيث تتواجد ظاهرة الاستخفاف بحقوق الانسان، وقد أشرنا إلى وجود مشكلة أساسية، تتمثل بغياب الحاكم العادل والمتفقه والكفء في نفس الوقت، الأمر الذي يقود إلى تردي الحقوق بمختلف مسمياتها، خاصة الحريات والحقوق المدنية لذا نحن بحاجة إلى الحاكم الذي يكفل ويحمي هذه الحقوق. يقول سماحة المرجع الشيرازي: (مواصفات الحاكم الاسلامي أنه رجل مؤمن متفقه في الدين تماما يعرف شؤون الدنيا ويتحلى بالعدالة التامة).
مخاطر إنكار حقوق الفرد
إن السبب الدائم هو الحاكم الظالم، الذي غالبا ما يكون نموذجا سلبياً لغيره، لاسيما لأفراد الشعب، حيث تؤثر شخصية القائد بالناس سلبا أو ايجابا، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه القيّم (السياسة من واقع الاسلام): (القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد).
بالنتيجة لابد من مكافحة مخاطر التجاوز على حقوق الانسان، لأن الامر يشكل غاية في الخطورة، بسبب استمرار انتهاك كرامة الانسان، تذكر لنا إحدى الدراسات في هذا الصدد: (تنبع خطورة موضوع حقوق الإنسان من تدخله في حياة الإنسان اليومية وفي نشاطاته المختلفة وعلاقته الفردية والذهنية بالآخرين وبالسلطة القائمة على أمر الجماعة، وأي إنكار لحق من تلك الحقوق في النهاية هو إنكار لوجود الفرد ولكرامته ونفي لشرعية وجود الدولة نفسها).
لذا فإن الوعي بالمخاطر الكبيرة، يستدعي حالة متواصلة من الاستعداد، بل الاستنفار لمعالجة الوضع الدائم لإهدار الحقوق المكفولة عالميا وانسانيا، لاسيما في العراق ودول الربيع العربي، التي تحاول اليوم تجاوز مآسي الماضي، ولكن لن يتحقق هذا الهدف من دون بذل ما يكفي من جهود جبارة، رسمية وشعبية تتقدمها النخب دائما، من أجل صيانة حقوق الانسان في ظل حكومة استشارية (ديمقراطية) تفرزها صناديق الاقتراع فقط لاغير، وهي تمثل ارادة الشعب.
وعندما تسعى الحكومة الى حماية حقوق المواطن، وتساوي بين الواجبات المطلوبة من المواطن، وحقوقه المكفولة، فإن هذا بمثابة المؤشر الأكيد على بناء الدولة المدنية المبتغاة، تلك الدولة التي يحلم بها المواطنون، ولكن ينبغي أن يكون هناك سعي دائم من لدن الجميع لبناء هذه الدولة المرتقبة.
اضافةتعليق
التعليقات