شهد العراق في 2019 أحداثا كثيرة وأزمات عديدة ألقت بظلالها على أغلب قطاعات وشرائح المجتمع، منظمة هيومن راتيس ووتش عرضت عدة تقارير، بينت فيها أبرز الانتهاكات التي حدثت في 2019.
القوة المفرطة ضد المتظاهرين
أدّت الاشتباكات مع قوات الأمن إلى مقتل 350 متظاهرا على الأقل في مظاهرات في بغداد ومدن جنوبية بالعراق ما بين أوائل أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول. وإضافة إلى الذخيرة الحية، أطلقت قوات الأمن في بغداد قنابل الغاز المسيل للدموع، في بعض الحالات مباشَرة على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا على الأقل. كما استخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية في مدن أخرى.
اعتقلت السلطات تعسفا متظاهرين وأفرجت عنهم فيما بعد دون تهم، وفُقد آخرون. ألقت قوات الأمن القبض على بعض العراقيين لمجرد تعبيرهم عن الدعم للحركة الاحتجاجية عبر منشورات "فيسبوك".
هددت قوات الأمن المسعفين الذين يعالجون المتظاهرين وأطلقت النار عليهم.
أقدمت الحكومة مرارا على إبطاء الانترنت لمنع الأشخاص من تحميل صور وفيديوهات المظاهرات ومشاركتها، كما حجبت تطبيقات المراسلة.
العدالة في أسوأ انتهاكات داعش
خلال 2019، استمر تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش") في شن هجمات، معظمها عمليات قتل استهدفت القادة المحليين وقوات الأمن. تشكل بعض الجرائم الوحشية التي ارتكبها داعش منذ 2014 جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وقد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. ولم يتبنّ العراق أي تشريعات تجعل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية جرائم محددة بموجب القوانين العراقية.
بناء على قرار لمجلس الأمن الدولي في 2017، أُنشئ فريق لتوثيق الجرائم الخطيرة التي ارتكبها داعش في العراق. في 2019، ساعد الفريق الاستقصائي (المعروف بـ "يونيتاد") السلطاتِ العراقية على تحديد 14 مقبرة جماعية على الأقل من تلك التي خلفها داعش في سنجار، كخطوة أولى نحو جمع الأدلة وإقامة دعاوى ضد العناصر المشتبه في كونهم من داعش.
أنشأ قانون عراقي صدر العام 2009 لجانا لتعويض العراقيين المتضررين من الإرهاب، والعمليات العسكرية، والأخطاء العسكرية. تلقت لجان التعويض في المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش آلاف طلبات التعويض، لكنها لم تدفع العديد من التعويضات منذ 2014.
واصلت السلطات القضائية الألمانية جهودها للتحقيق في جرائم داعش في سوريا والعراق بموجب الولاية القضائية العالمية، وهي مبدأ في القانون الدولي.
استمرت الدول الأعضاء في "التحالف الدولي لهزيمة داعش" في مناقشاتها حول خيارات المساءلة عن جرائم داعش، بما في ذلك إمكانية إنشاء محكمة جنائية في المنطقة.
الاعتقال التعسفي، والإجراءات الواجبة، وانتهاكات المحاكمة العادلة
اعتقلت القوات العراقية تعسفا أشخاصا مشتبه بانتمائهم إلى داعش، واحتجزت العديد منهم لعدة أشهر. وبحسب شهود وأقارب، احتجزت قوات الأمن بانتظام المشتبه بهم دون أي أمر من المحكمة أو مذكرة توقيف، وفي الغالب لم تقدم سببا للاعتقال.
انتهكت السلطات بشكل منهجي حقوق المحاكمة العادلة للمشتبه بانتمائهم إلى داعش وغيرهم من المحتجزين. شملت الحقوق المنتهَكة الضمانات التي ينص عليها القانون العراقي بأن يَمثل المعتقلون أمام قاض في غضون 24 ساعة، وأن يتاح لهم الاتصال بمحام طوال مدة التحقيقات، وأن تُبلّغ عائلاتُهم وأن يُتاح لها الاتصال بهم.
تمثّل محكمة مكافحة الإرهاب في محافظة نينوى استثناءً، حيث لاحظت "هيومن رايتس ووتش" إدخال تحسينات على إجراءات المحاكمة في 2019. طالب القضاة في المحكمة بمعايير إثبات أعلى لاعتقال المشتبه بهم وملاحقتهم، ما قلل من اقتصار اعتماد المحكمة على الاعترافات، وقوائم المطلوبين الخاطئة، والمزاعم غير المدعّمة بالوقائع.
قاضت السلطات أطفالا لا تتجاوز أعمارهم تسع سنوات بتهمة الانتماء إلى داعش في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد و11 سنة في إقليم كردستان، وهو دون الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية بموجب القانون الدولي، في انتهاك للمعايير الدولية التي تعتبر الأطفال الذين تجندهم جماعات مسلحة في المقام الأول ضحايا يجب إعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع.
لاحق القضاة العراقيون الأشخاص المشتبه في كونهم من داعش، بتهمة الانتماء إلى التنظيم، في إطار القوانين الفضفاضة لمكافحة الإرهاب. عموما، كانت المحاكمات متسرّعة، ومبنية على اعترافات المتهمين، ولم تشرِك الضحايا. أجرت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان آلاف المحاكمات للمشتبه بانتمائهم إلى داعش دون استراتيجية لإعطاء الأولوية لأسوأ الانتهاكات.
لم تكشف الحكومة العراقية، بالرغم من الطلبات التي تلقتها، عن المؤسسات الأمنية والعسكرية المفوَّضة قانونيا لاعتقال الأشخاص، وفي أي منشآت يُحتَجزون.
التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة
تلقّت هيومن رايتس ووتش طوال 2019 تقارير عن استخدام التعذيب على نطاق واسع، بما في ذلك الأطفال، من قبل القوات العراقية والقوات التابعة لحكومة إقليم كردستان لانتزاع الاعترافات. اضطر رجل إلى الخضوع لبتر ذراعه بسبب الأضرار الشريانية التي لحقت بها جراء التعذيب أثناء الاحتجاز.
أظهرت دراسة أجرتها هيومن رايتس ووتش لقرارات محكمة التمييز العراقية في القضايا المتعلقة بالإرهاب أن القضاة تجاهلوا مزاعم التعذيب أو اعتمدوا على اعترافات غير مدعّمة على ما يبدو في 20 قضية تقريبا عامَي 2018 و2019. كانت بعض مزاعم التعذيب قد أُثبتت من خلال فحوصات الطب الشرعي، ويبدو أن بعض الاعترافات انتُزعت بالقوة. في كل حالة من هذه الحالات، أخذت المحاكم الابتدائية مزاعم التعذيب على محمل الجد، ووجدتها موثوقة، وقيّمت الأدلة، وأفرجت عن المتهمين. وبالرغم من ذلك، يبدو أن محكمة التمييز الاتحادية، عند الاستئناف، تتجاهل مزاعم التعذيب أو تعتمد على اعترافات غير مدعّمة، وتأمر بإعادة المحاكمة.
على الرغم من الأدلة الكثيرة على التعذيب أثناء الاحتجاز في العراق، نقلت "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرق سوريا في 2019 ما لا يقل عن 900 معتقل عراقي لهم صلات مزعومة بداعش. كما نقلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية ما لا يقل عن 47 من الذكور الأجانب غير العراقيين المشتبه في انتمائهم إلى داعش للتحقيق معهم في 2018 وأوائل 2019، بينهم 11 مواطنا فرنسيا على الأقل حُكم عليهم بالإعدام. في 30 من هذه القضايا على الأقل، يسّرت القوات الأمريكية نقل المحتجزين من قوات سوريا الديمقراطية إلى السلطات العراقية وفقا لوثائق المحكمة، وشهادات المتهمين، ومصادر أخرى.
قال اثنان من المواطنين الفرنسيين الذين نُقلوا من شمال شرق سوريا إلى العراق وحوكموا في بغداد لانتمائهم إلى داعش للقاضي إن قوات الأمن العراقية عذبتهم أو انتزعت منهم الاعترافات بالقوة.
احتجزت السلطات المشتبه بهم في أماكن مزدحمة، وفي بعض الحالات في ظروف لاإنسانية. أطلع مصدر في نظام السجون هيومن رايتس ووتش على صور لزنازين السجون المكتظة في نينوى حيث تُحتجز النساء والأطفال بتهمة الانتماء إلى داعش في ظروف مهينة لدرجة أنها ترقى إلى مستوى سوء المعاملة.
بالرغم من التزامات رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي في سبتمبر/أيلول 2017 بالتحقيق في مزاعم التعذيب والقتل خارج القضاء، يبدو أن السلطات لم تتخذ أي إجراءات في 2019 للتحقيق في هذه الانتهاكات.
عقاب جماعي
غالبا ما تُحرم العائلات العراقية التي يُعتقد أنها تنتمي إلى تنظيم داعش، عادة بسبب اسم العائلة أو الانتماء القبلي أو مسقط الرأس، من التصاريح الأمنية اللازمة للحصول على بطاقات الهوية والوثائق المدنية الأخرى. وقد أدى ذلك إلى تقييد حريتهم في التنقل، وحقهم في التعليم، والعمل، وتقديمات الرعاية، وشهادات الميلاد والوفاة اللازمة للحصول على الإرث أو الزواج مرة أخرى. كما منع الحرمان من التصاريح الأمنية هذه العائلات من رفع دعاوى إلى اللجان المنشأة في 2009 لتعويض العراقيين المتضررين من الإرهاب والعمليات العسكرية والأخطاء العسكرية، ومن رفع دعاوى قضائية أو الطعن في مصادرة الممتلكات من قبل قوات الأمن أو العائلات المحلية.
تمكنت بعض العائلات من الحصول على تصريح أمني إذا كانت على استعداد للمثول أمام قاض أولا لإقامة دعوى جنائية ضد قريبها المشتبه في انضمامه إلى داعش، في عملية تعرف بـ "التبرية". بعد أن يفتح الأفراد الشكوى الجنائية، تصدر لهم المحكمة وثيقة لتقديمها إلى قوات الأمن للحصول على تصريح أمني. كانت هذه الآلية فعالة بشكل خاص في محافظة الأنبار، حيث تمكنت معظم الأسر التي لديها أقارب يُشتبه في انتمائهم إلى داعش والذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في 2019 من الحصول على تصريح أمني من خلال التبرية.
استمرت عمليات الإعادة القسرية ومنع عودة الأشخاص النازحين إلى ديارهم خلال 2019. في أوائل يوليو/تموز، أطلقت قوات الأمن حملات "للتدقيق الأمني" في مخيمات النازحين في نينوى لتحديد أصولهم وروابطهم المحتملة بداعش. خلال الشهرين التاليين، طردت السلطات في نينوى وصلاح الدين مئات النازحين المقيمين في مخيمات خارج محافظاتهم الأصلية، وفي بعض الحالات نقلتهم إلى مجتمعاتهم الأصلية على الرغم من المخاوف الأمنية الكبيرة لدى العائلات.
تم إيواء 30 ألف عراقي على الأقل فروا من العراق بين 2014 و2017 في مخيم الهول في شمال شرق سوريا وحوله، وبعضهم تبِعوا داعش أثناء انسحابه من الأراضي العراقية. في 2019، استعدت الحكومة العراقية لإعادة مواطنيها وحبسهم في مخيمات، هي معتقلات بحكم الواقع، لصلاتهم المفترضة مع داعش. ناقشت الحكومة خططا أوسع لاحتجاز الأُسر التي يُنظر إليها على أنها متصلة بالتنظيم في خطة اعتقال جماعي، لكن لم يُتَّفق بعد على مثل هذه الخطة.
في 2019، مُنع آلاف الأطفال الذين لا يحملون وثائق مدنية بسبب انضمام أحد أقاربهم إلى داعش من الالتحاق بالمدارس الحكومية، بما فيها المدارس داخل مخيمات النازحين.
أبلغ محامون وعمال إغاثة ممن يقدمون المساعدة إلى الأسر التي ينظر إليها على أنها متصلة بداعش بأن قوات الأمن هددتهم واحتجزتهم في بعض الحالات لتقديمهم تلك الخدمات.
الحصول على الماء
على مدار الأعوام الـ 30 الماضية تقريبا، لم توفر السلطات مياه الشرب الآمنة للناس في جنوب العراق، وخاصة في البصرة. تسببت أوجه التقصير الحكومية المتعددة منذ الثمانينيات، بما فيها الإدارة السيئة لمنابع المياه، وعدم إدارة التلوث والصرف الصحي كما يجب، والإهمال المزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، في تدهور جودة المجاري المائية. دفع انقطاع المياه المزارعين إلى ريّ أراضيهم بالمياه الملوثة والمالحة، ما أدى إلى تدهور التربة وقتل المحاصيل والماشية.
تحول تدهور مصادر المياه في البصرة إلى أزمة مياه حادة في صيف 2018، عندما نُقل 118 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى بسبب أعراض قال الأطباء إنها مرتبطة بنوعية المياه. لم تتكرر الأزمة الصحية في 2019 نظرا لارتفاع معدل هطول الأمطار وذوبان الجليد في أواخر 2018/أوائل 2019، لكن السلطات لم تتخذ خطوات تُذكر لمعالجة أسباب الأزمة الصحية. لم تعلن السلطات عن أي تحقيق في أسبابها المحددة أو أي خطة عمل للتعامل مع جذور الأزمة. يبعث عدم التحرك هذا على القلق بشكل خاص بالنظر إلى الزيادات المتوقعة في الاستهلاك وانخفاض هطول الأمطار بسبب تغير المناخ.
حقوق المرأة، والهوية الجندرية، والتوجه الجنسي، وقوانين الآداب
وثقت هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات قيام قوات داعش بحملة للاغتصاب المنظم والاستعباد الجنسي والزواج القسري بحق النساء والفتيات الإيزيديات بين 2014 و2017. ومع ذلك، لم تتم مقاضاة أي عنصر من داعش في العراق أو إدانته لتلك الجرائم المحددة.
في حين أن لدى إقليم كردستان العراق قانون لسنة 2011 بشأن العنف الأسري، ليس لدى النساء حمايات تذكر من العنف الأسري في الأراضي التابعة لبغداد. فقد تعطلت الجهود المبذولة في البرلمان لإقرار مشروع قانون لمكافحة العنف الأسري طوال 2019. ويجرم القانون الجنائي العراقي المطبق في الأراضي التابعة لبغداد وإقليم كردستان العراق الاعتداءَ الجسدي، لكنه لا يتضمن أي إشارة واضحة للعنف الأسري. بدلا من ذلك، تنص المادة 41 (1) من قانون العقوبات على أنه يحق "تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء (...) الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا".
بالرغم من تجريم القانون الاعتداء الجنسي، تنص المادة 398 على إسقاط هذه التهم إذا تزوج المعتدي من الضحية. وبينما لم تجرَ إي دراسات وطنية حديثة حول العنف الأسري، أبلغت منظمات حقوق المرأة عن ارتفاع معدله.
عقوبة الإعدام
كان لدى العراق منذ فترة طويلة أحد أعلى معدلات الإعدام في العالم، إلى جانب الصين، وإيران، والسعودية. استمر القضاء في إصدار أحكام بالإعدام على العديد من المدانين بالانتماء إلى داعش بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ونفّذ إعدامات دون الكشف عن الأرقام الرسمية. في أغسطس/آب 2019، نشرت السلطات بيانات وزارة العدل التي أظهرت أن 8,022 محتجزا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في حقهم، وأعدمت الدولة أكثر من 100 شخص بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2019.
في كردستان العراق، علقت حكومة الإقليم فعليا العمل بعقوبة الإعدام في 2008، ومنعتها "إلا في حالات نادرة تعتبر ضرورية"، وفقا لمتحدث باسم حكومة الإقليم.
يحظر قانون العقوبات العراقي عقوبة الإعدام في حق الأطفال.
اضافةتعليق
التعليقات