إذا لم يكن جميعنا فالأغلبية منا قد عايشوا إلى حد ما قصص كثيرة حول الفقر والفقراء.. وكيف أن المرأة الأم تُسكت أطفالها الجياع باعداد الماء فقط وتتركه ينضج إلى أن يناموا .
الأم في هذه القصة هي المكافحة والمحافظة، تلك التي تأبى التسول واهدار كرامتها ثمنا للقمة مشوبة بالشفقة إلى حد الإرهاق .
في بلادنا العظيمة من هنا وحتى أقصى الحدود تلك التي يصل إليها هواء العراق ترى كم مرة يتكرر فيها مشهد تلك القصة؟ وكم عدد الأمهات اللاتي يمثلن ذلك الدور المُنهِك بلا رحمة!.
إن ما ذُكر آنفا هي واحدة من ملايين العوائل المتعففة بأبائها رغم كونها دون مستوى خط الفقر في بلد عظيم كالعراق أحد أكبر الدول المنتجة للنفط الخام في الأوبك وخامس أكبر احتياطي نفط موثوق في العالم لعام 2015 .
أرض الثروة وكل الطاقات الحقيقية التي لو اجتمعت صنعت أعجوبة العالم الثامنة .
العراق قلب وقبلة العالم من المخزي حقا أن يصنف ضمن الدول النامية لسكان العالم الثالث أو الرابع أو حتى الخامس فيما استمر الحال للأسوء والأسوء .
عندما نقرأ أن نسبة الفقر في العراق قد تزايدت إلى الضعف في عام 2016 بعدما كانت 15% قبل ثلاث سنوات، نجد أنفسنا في مأزق حقيقي، حيث أصبح طبق الطعام حُلما للبعض، وها هي الأزمة الاقتصادية المفتعلة تأكل مجتمعاتنا وبوضوح تام .
نظام الخلاص لم تحققهُ الرأسمالية، تلك التي لم تنجح في انتشال الانسانية المهملة في الحضيض، نظامها الخاص الذي يفضل مصلحة الفرد على الجماعة ما هو إلا عبودية بائسة للكثيرين، أن يكون لك املاك خاصة تديرها بجهد الاخرين ثم تتصدق عليهم بالقليل .
كذلك لم تُوفق الماركسية في تعميم مصلحة الجماعة على حساب مصلحة الفرد، حيث كونت أحزاب عُنصرية تعمل لصالح ذاتها لا غير، وهكذا بقي التوازن الطبقي مختلا بين الثراء الفاحش والجوع المدقع .
إن ما نجح فعلا هو طريق واحد مختصر بقول برناردشو: "إني أرى في الاسلام دين أوروبا في أواخر القرن 20 ".
لا وهذا ليس بغريب إن الاقتصاد في الاسلام نهج تكاملي يستند على التعاون، إنه نهج الانسان بغريزته الفطرية، بعيدا جدا عن المطامع العاجلة، تلك التي اجحفت حق الكادحين "البروليتاريا" كما في الرأسمالية وتملقت لأصحاب النفوذ "البرجوازيين" كما في الماركسية "الاشتراكية".
ولكن، الحديث الروتيني والتنظير لا يجدي نفعا، هو فقط حديث سطحي وساذج، نحن بحاجة إلى فلسفة أخرى، فلسفة عطاء جديدة تحقق نقاط قوة، وهذه القوة تُنهض العراق، ولو تكالبت عليه الأيام سيشتد بنا، وبعطائنا .
ولأن عطاء القلب قبل عطاء الجيب لابد أن تغلف عطائك بالحب وهنا يحدث الفرق !عندما تُحب وطنك ستعطيه من وقتك ما يكفي.. لينهض بك ويتكئ عليك .
عندما نبدأ بتنظيف عقولنا، سنعي أهمية تنظيف أحيائنا وعندما نتخلص من نفاياتها سنقدر على التخلص من نفايات فسادها ومفسديها، ذلك لأن الأعمال العظيمة بدأت صغيرة وبأفكار بسيطة، علنا نُنقذ ما بقي من انسانيتنا ونحقق بعضا من الطموح، عندها فقط سيصبح العراق عراقا .
اضافةتعليق
التعليقات