نتسابق مع الزمن لنلتحق بدولاب الحياة الذي يأخذنا في انشغالات تنسينا الأحباب والأصدقاء لابل تأخذنا حتى من أنفسنا واحتياجاتنا ولكن من غير المعقول أن يأخذنا سراب الحياة بعيداً عمن جمعتنا بهم لحظات حب وحنان، عمن هم سبب تواجدنا بهذه الحياة وبدلا من أن نكون سنداً لهم في الحياة نبتعد عنهم ونتركهم ينتظرون منا التفاتة بسيطة بينما نحن مشغولين بأنشطتنا ومسؤولياتنا اليومية ولا نشعر بنسياننا إليهم إلا في لحظة ايقاظ واثارة انتباه فنشعر أننا قد نسينا أن نسأل عن أحوال والدينا وبالذات الأب ننسى دائما أن نسأل عن أحواله.
لأن الأب دائما يقف في منعطف بعيد يرعانا بعينه الحنون ويتكلم إلينا بقلبه الرؤوف ويلوح إلينا بيده ولكن لا نراه لأن حنيته مخبأة خلف القوة والشموخ والكبرياء والعظمة، هذه الصفات جعلت الأب يكون في عرش عال لا نستطيع الوصول إليه أو رؤية ذلك القلب الحنون فوضع الأب وفق عرف التربية على هذا العرش العاجي وخلف ستار كبير لا يستطيع أحد الوصول إليه.
فهذه هي التربية الشرقية يجب أن يكون الأب هو الآمر الناهي في البيت وعندما يدخل إلى البيت لا يسمع أي حس أو نفس، نضحك في وقت ما يسمح لنا ونتكلم حين يأذن لنا على الرغم أنه جدا حنون ولطيف ولكننا لا نشعر بهذه الحنية لأن حنية الأب هي بالقسوة علينا فعندما نخطئ يأتي الرد قاس والاجراء جدا حاد وحتى عندما كبرنا واعطانا حرية التعبير ففي سكوته حيرة لنا وعندما نصل إلى طريق مسدود يم يد العون لنا لكن بقسوته الأبوية.
إن هذا الأسلوب الذي يتعامل به الأب مع أولاده كون حاجز كبير بينه وبينهم هذا بحسب عرف التربية العربية التي ترباها والدي وهي أن يكون الأب دائما شامخ شموخ الجبال وقوي كقوة الأسد ويظهر نقاط القوة فقط إلى أولاده وهكذا كان والده ووالد والده الخ.. هو يتمنى أن يلاعب أطفاله ويتحدث إليهم ولكن كبرياء الأب الذي تربي عليه يمنعه حتى أحيانا من الابتسامة أو المسح على رؤوسهم عندما يكونون بأمس الحاجة إلى تلك اليد.
إن هذا لا ينفي أن الأبناء أيضا لهم يد في تكوين هذا الجدار والحاجز الكبير مع الأب فهم تركوا الأب يقف خلف ذلك الركن الذي صنعته له عرف التربية والتقاليد المتوارثة، جعلوه يقف وهو مكتوف الأيدي وينظر إليهم ولم يحاولوا سحبه من ذلك المنعطف ليخرج من تلك الزاوية التي حشر نفسه بها على الرغم منه.
وذلك لأننا عندما كنا صغارا كان يمنعنا خوفنا من الاقتراب وعندما كبرنا انشغلنا عنه وتركناه في منعطف الشموخ الذي أهرمته السنين وأتعبته الأيام ولم نلاحظ ذلك، رسمنا بمخيلتنا هذا الاطار ولم نحاول التقرب منه فلو تقربنا قليلا منه لوجدنا كمية من الحنان والدفئ الذي لا يستطيع ترجمته بلسانه ولا بأفعاله وهذا ما حدث معي عندما مرض والدي وتقربت إليه اكتشفت كم كنت مقصرة اتجاهه وكم كنت مبتعدة عنه هذا وأنا أقرب واحدة عليه فكيف ببقية أفراد أسرتي..
فالأب هو الدعم والاسناد في الأسرة وهو كما قيل قديماً عامود البيت، هو المربي والداعم والمساند في أوقات الشدائد والمحن، اليد الخفية التي تضبط الأمور وتضع النقط على الحروف مهما كان دور الأم فعال وقوي ومهما كان للأم أثر ووجود فإن ذلك يدعمه الأب فالأم هي مصدر الحنان والحضن الدافئ الذي نختبئ به والملجأ الوحيد إلينا عندما نحتاج إلى من يسمعنا ولكن كلّ هذا لا يُلغي أهميّة ودور الأب، فما الذي قد تعنيه الحياة دونه؟.
حرروا أنفسكم وأولادكم من قيود التربية القديمة التي تجعل من الأب دكتاتوريا في أعين ابناءه ويجعل منه الأسد الذي لا يهزم ولا ينحني، ولا تكرروا صورة الأب النمطية التي تقتل روح العلاقة مع أطفاله، إن علاقة الأب الجيدة بأبناءه تعود بالنفع على كليهما، فهي تُخفّف من ضغوطات الأب العاطفيّة والجسديّة، وتزيد من احترام الابن لذاته، وتُشعره بالسعادة والرضا عن حياته، كما تُقلّل من نسبة السلوكيّات الخاطئة المُحتملة للأبناء، وتُحافظ على أخلاقهم.
اقتربوا من آبائكم قبل فوات الأوان فمهما كبرنا ومهما وصلنا إلى نقاط تحول في حياتنا يبقى الأب أهم ما يكون ويبقى وجوده هو نبراس لعتمة الطريق، إن أهمية وجود الأب في حياتنا روحية وارتباطه بنا روحيا، استغلوا كل لحظة لتكونوا قربه وإن كان والدكم يقف بذلك المنعطف الضيق مدوا أيديكم لتخرجوا روح الأبوة المكبوتة بداخله، ساعدوه على تخطي ذلك الحاجز، فالأب عندما يكبر يحتاج اهتمام ابناءه ويبحث عن ذلك الاهتمام في وجوههم وتصرفاتهم معه. فأحسنوا معاملة أباكم قبل فوات الأوان.
اضافةتعليق
التعليقات