يعتقد البعض أن سوء الحظ يجلب لك زوجة غير صالحة تعكر صفو حياتك، ولكن لو تابعت حياة الماضين ستجد أن غيرك أيضا كان يعاني من هذا البلاء منهم الأنبياء والصالحين (عليهم السلام)، فليس من سوء الحظ أو الاختيار ولكن هذه هي ارادة الله في كشف خبايا النفوس وتعرضهم لبيئة صالحة لعلها تنجيهم من البلاء والمفسدة، إلا إنهم قوم باعوا الاخرة بحب الدنيا فكانت عاقبتهم سيئة.
ومن جملة ما حصل في حياة الامام الجواد عليه السلام زواجه من ابنة المأمون، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم، فقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد (عليه السلام) بعيداً عنه في المدينة المنورة، لذلك قرر استدعاءه إلى بغداد حتى يكون على مقربة منه يحصي عليه أنفاسه ويراقب حركاته، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وتوفي بها (عليه السلام) في ذي القعدة من هذه السنة، لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الاقامة الجبرية تتبعه عملية أكبر وهي التصفية الجسدية، بعد المضايقة وكتم الأنفاس عليه، بينما كان وجود الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للأمة، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه.
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله: "رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقاً اقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع.
قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكفّ إلى الكرسوع, لقول الله في التيمم (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك ؟ قالوا: لأن الله لمّا قال:
(وايديكم الى المرافق ) في الغسل دلّ ذلك على أن حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت الى محمد بن علي (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلموا به! أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: اقسمت عليك بالله لمّا اخبرت بما عندك فيه.
فقال: أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إني أقول انهم اخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل اُصول الأصابع، فيترك الكفّ، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى: (وان المساجد لله) يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) وما كان لله لم يقطع.
قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ.
قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً.
قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد: صرت الى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت: ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وانا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار، قال: وما هو؟ قلت: اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من اُمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟.
قال: فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً . قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه [أي الجواد(عليه السلام)] إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه وقال (عليه السلام): قد علمت أني لا أحضر مجالسكم، فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام وأحبّ أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل أن يقيم. قال(عليه السلام): خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض (عليه السلام)".
فبدأ المعتصم يفكر في أكثر السبل التي يستطيع بها أن يقضي على حياة الإمام، بأقل ضرر وحنى لا يقع الحكم عليه، فلم يجد أفضل من هذا الحل وهو اُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع أن تقتله بصورة أكيدة دون أن تثير ضجة في الوسط الشعبي، فهو يعرف ولائها واخلاصها للسلطة، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم، وتهتم جدا لنسبها ولقيمتها بين أبناء عشيرتها، لذلك كانت تنفذ كل ما يطلبه منها من دون أي تردد أو خوف.
كانت تفكر دائما في اغتيال الامام بسبب غيرتها وحقدها على الإمام ولأنه تزوج من نساء اُخريات خصوصاً وانها لم تلد للأمام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده علي الهادي (عليه السلام)، فقد اشتهر بين الناس خبر غيرتها لذلك قال المؤرخون: "وقد روى الناس أن اُم الفضل كتبت الى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: انه يتسرى علي ويغيرني، فكتب إليها المأمون: يا بنيّة إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها"..
وأشار إليها على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه، فأجابته إلى ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال: ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر، فماتت بعلّة في اغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً فأنفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة، حتى احتاجت إلى الاسترفاد.
ويقول المؤرخون إن اُم الفضل ارتكبت جريمتها بحقّ الإمام الجواد (عليه السلام) عندما سقته السمّ.
دفن في العراق ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى الكاظم عليهم السلام.
وبذلك يكون الإمام الجواد (عليه السلام) قد قضى خمس عشرة سنة من إمامته التي استمرت سبع عشرة سنة في خلافة المأمون، وهذا يعني أنّ أغلب سنوات إمامته كانت في فترة حكم المأمون.
فسلام عليه يوم ولد ويوم رحل إلى أعلى العليين مع أجداده الطيبين الطاهرين.
اضافةتعليق
التعليقات