بعد التبلد الذي غزا العالم في الآونة الأخيرة، اصبح كل شيء على أثره يحصل تحت وطأة التطور وتشويه الإنسانية والإسلام هو أمر عادي. أو بالأحرى عادي جداً.
عادي جداً ان ترى إمرأة عجوز تقف على حافة الشارع، تنظر الى السيارات القادمة بأقصى سرعتها، مرتجية بعينيها المنكسرة رأفة احد، علّه يخفف من سرعته لتتمكن من العبور الى جهة الشارع الأخرى، لتراجع طبيب العيون.
وعادي جداً ان ترى اطفال صغار يمسكون بقطة مسكينة، يعلقونها رأساً على عقب، ويضربونها بعصا، ليسمعوا مواءها النحيل بحجة التسلية!.
وعادي جداً أن تأكل المكسرات وتكَون دائرة حولك من قشورها، ثم تحمل نفسك وتمضي، ليأتي بعدها ذلك العامل البسيط، يلتقط ما خلفته انت من النفايات خلفك!.
وعادي لو كنت موظفاً في دائرة حكومية او حتى أهلية وتلقيت بعض "الأموال الخضراء" على شاكلة الهدية كي تُعجل في اتمام معاملة فلان!.
وعادي جداً لو ذهبت الى طبيب ووصف لكَ ادوية انت لست بحاجة لها، فقط كي يستفاد من ربح الصيدلية التي يعقد معها صفقة!.
عادي جداً ان ترمي كيس الأكل الخاص بك من نافذة السيارة، فتنصدم بزجاج السيارة التي خلفك!، وعادي جداً لو ذهبت الى المشفى لكي تجري عملية زائدة دودية لإبنتك، فوجدت الطبيب والممرض يصرخون بوجه رجل كبير كي لا يأن من شدة الألم لأنه يشوش مزاج الطبيب!، في حال يقول لك المحاسب، عذراً لن نجري لإبنتك العملية حتى تسدد جميع المبالغ المالية الخاصة بالعملية!، فتخنقك العبرة، وتبكي حسرةً لأنك تشعر بأن المال بات اغلى واهم من الإنسانية!.
وعادي ايضاً لو تكلمت مع فتاة بإسم الحب، ورسمت لها أحلاماً وردية، واوهمتها بعرش الزواج، ثم قلت لها: عذراً انتِ لا تناسبينني لأني لا استطيع ان اهب ثقتي لإمرأة اقامت علاقة مع شخص قبل الزواج!! أو والدتي تريد مني ان اتزوج بنت خالتي اليتيمة!، ثم ذهبت لغيرها، كي تمثل مسرحية أخرى وتتسلى اكثر!.
وعادي ايضاً لو خُنتِ ثقة أهلك واقمتِ علاقة وردية تحت مسمى الحب مع شاب لا يخاف الله فيك!، واوهمت من سيتزوجك في المستقبل بأنكِ طاهرة من دنس حب الحرام، وانه الرجل الأول في حياتك!.
وعادي جداً ان تسرق بعض المال من محفظة النقود الخاصة بأمك، او حتى أبيك بحجة انهما والديك ومن الواجب عليهما ان ينفقوا عليك!. وعادي جداً لو رفعت صوتك بوجه أهلك بحجة انك مراهق واعصابك ضعيفة!، وعادي جداً لو تقاسمت انت واصحابك خيرات الوطن، بينما الشعب العراقي يتلوى من الجوع تحت خط الفقر!.
هنالك أشياء كثيرة اصبحت عادية بالنسبة للعالم، فعل الحرام اصبح عادياً جداً، المذنب بات يرى ذنبه كذبابة تمر من امام أنفه ولا يعيرها اي انتباه، تجاوزنا العيب، لنقطع بعدها مسيرة الحرام!، كم من عيبٍ وحرامٍ اصبح عادياً جداً.. والسبب الوحيد لهذه الحالة، وضحها المولى علي بن ابي طالب (عليه السلام)، عندما حمّل السكوت ذنب العيب والحرام الذي اصبح امراً عادياً، بقوله:"عندما سكت أهل الحق عن الباطل، توهم اهل الباطل أنهم على حق!".
السكوت هو المحفز الأول الذي سمح لكلمة "عادي" أن تمد جذورها في اعماق المجتمع، لتخترق المبادىء والسلوكيات الإسلامية وحتى الإنسانية منها.. فعندما يشاهد الإنسان خطأ من الواجب عليه ان يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك هو اضعف الإيمان.. هذه هي توجيهات رسول الإنسانية محمد، كي نتفادى من خلالها مصطلح العادي.. ويبقى مصطلح الحرام بازغاً للعالم بلا تشويش فكري وعقائدي، لنتمكن من خلاله زرع مفاهيم الإسلام الجليلة في ربوع المجتمعات.
اضافةتعليق
التعليقات