أقام الإسلام مجتمعاً متعاوناً، كُل عضوٍ فيه مرتبط بالعضو الآخر، وكل عنصر فيه يمدُّ الحياة للعنصر الآخر. فالجميع هم أخوة، بعضهم من بعض، أما أخوة في الدين أو أخوة في الإنسانية. وعندما ينطلق المجتمع في حركته بروح الأخوة الصادقة يكون تحركه متكاملاً، كُل عضو فيه متمٌ للآخر.
وعلى قيم التعاون أقام الإسلام جملة من تشريعاته الإقتصادية التي لولا وجود تلك القيم لما كان بالإمكان القيام بها مطلقاً، من هذه التشريعات؛ المساقاة، المزارعة، المضاربة، الشركة.. وهي تقوم على مساهمتين؛ مساهمة رأس المال مع العمل، وتقوم على تحمل الطرفين للنتائج سواء في الربح أو الخسارة.
وعلى أفق هذه الروح الإجتماعية نبذ الإسلام الربا باعتباره طريق لإستغلال المجتمع، وليس طريقاً للتعاون والإسلام يكلّف المجتمع مسؤوليات جسيمة في تنشيط عجلات الإقتصاد مُبتنياً منهجهُ على مبدأ التعاون والمشاركة، مستفيداً من قيم التعاون، الأخوة، العطاء، الإيثار التي أوجدها في هذا المجتمع، وكان حريٌّ بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام إحياء هذه الروح وبعثها من جديد بعد أن كادت أن تخمد في عهود السيطرة الفردية.
يبرر الإمام نظرية التعاون الإقتصادي بالحاجات المتبادلة التي لا يمكن الفكاكُ عنها. فالبشر أحدهم بحاجة إلى الآخر ولا غنى لإنسان عن إنسان آخر يقول الإمام:
"لا تدعُ الله أن يُغنيك عن النّاس فإن حاجات الناس بعضهم إلى بعض متصلة كاتصال الأعضاء، فمتى يستغني المرء عن يده، أو رجله، ولكن أدعُ الله أن يُغنيك عن شِرارهم".
فالكل محتاجٌ إلى الكل ولا يمكن الإنفصال عنه، فطالما حاجات الإنسان متنوعة فحاجته إلى أفراد المجتمع في تزايد مع تزايد حاجاته.
فالإمام لا يُريد للإنسان أن يعيش لوحده، ولا حتى التفكير في ذلك لأنه ضربٌ من الخيال، إذ لا وجود لمثل هذا الإنسان الذي يستطيع أن يعيش لوحدهِ.
وفي نطاق المشاركة يدعو الإمام النّاس؛ بالأخص الفقراء منهم إلى مشاركة الأغنياء في المجالات الإقتصادية المتنوعة.
"شاركوا الذين قد أقبل عليهم الرزق، فإنّه أخلقُ للغنى وأجدرُ بإقبال الخط".
وهي مشاركة نافعة للطرفين، فمن الفقراء الجهد والعمل، ومن الأغنياء المال والبضاعة، فالغني يحتاج إلى من يبذل الجهد من أجل إستثمار أمواله، والفقير بحاجة إلى المال ليبدأ به مشروعاً إقتصادياً، ومن هذه الفكرة ينطلق المجتمع في تأسيس صناديق، أو بنوك للإستثمار، بينما تتولى لجان التشغيل فتح مشاريع إقتصادية متنوعة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة لتلقيح هذه الأموال بتلك الجهود الخيرة، وهذه هي منطلقات المؤسسات والمشاريع التعاونية القائمة على نظامٍ تعاوني قويم مرتكز على قاعدة متينة هي الأخوة الإسلامية.
اضافةتعليق
التعليقات