بعد الكثير من محاولات البشرية للأنسلاخ من العلة التي خُلقت من أجلها وهي طاعة خالقها والانصياع له، رُفع في زماننا الحالي شعار الالحاد ليُتاح لمدعي الالحاد مخالفة كُل القوانين الالهية الفطرية وارتكاب كُل مايخالف ذلك بحجة أنه مُلحد لا يؤمن بوجود الله.
الالحاد في هذا الزمان هو عبارة عن إدعاء ظاهري أو بتعبير آخر (هبّة هذه الأيام)، فنجد المُلحدين يروجون في المرتبة الاولى للتخلي عن الواجبات وارتكاب المحرمات في مواقع التواصل الاجتماعي، تجدهم خلف الشاشات يظهرون أمام بعض قليلي المعرفة من الشباب على أنهم أقوياء إلى الحد الذي يجعلهم قادرين على مواجهة الفطرة التي فُطر عليها الناس (فطرة التوحيد)، تهويل الموقف هي ردة الفعل المؤمنين فنجد الأغلب يتكلم عن المُلحدين وكأنهم مد كبير في حين أنهم أعداد قليلة بعقيدة متزلزلة، ردة الفعل هذه نتجت بسبب ابتعادنا عن سيرة الآل في التعامل مع أمثال هؤلاء.
جعفرية، هي الهوية التي نفخر بها ونتمنى أن تكون خاتمتنا بها ومعها. ولكن! هل نعرف كيف تعامل الامام جعفر الصادق مع من أنكر وجود الله. فعندما ينكر البعض وجود الله تعالى أو يُروج لفكرة عدم وجود الله تعالى بحجة أننا لا نراه ولا نشعر به، يكون رد الجعفرية هو رد مولاهم فقد روي أنّ رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى. فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: بلى. قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث.*
وبهذا أوضح الامام الصادق عليه السلام أن معرفة الله واللجوء إليه هي فطرة قد تَغيب أو تُغيب عن الفرد لأي ظرف إلا أنها تظهر جلية عند الشدائد.
قد يجهل البعض منا أهمية معرفة الله تعالى وبعضهم يوهم الآخرين بأن معرفة الله شيء لا يمكن للعقل البشري تحمله فتراه لا يُجيد مواجهة المشككين بالله تعالى، في حين لو اننا لجأنا إلى الامام جعفر الصادق واستنرنا بنوره لكان الأمر أوضح واسهل بالنسبة لنا، إذ إن مولانا الصادق أوضح أن معرفة الله هي من أفضل الأعمال، روي عن محمد بن سماعة قال: سأل بعض أصحابنا الصادق عليه السلام فقال له: أخبرني أي الأعمال أفضل؟
قال: توحيدك لربك، قال: فما أعظم الذنوب؟ قال: تشبيهك لخالقك.
ولرد على إدعاء البعض بأن الله لا يُعرف بالعقل هو ما ورد عنه سلام الله عليه: (إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الاقرار ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته.
فإن قالوا: فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به؟ قيل لهم: إنما كل العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه، وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه، ولم يكلفوا الإحاطة بصفته كما أن الملك لا يكلف رعيته أن يعلموا أطويل هو أم قصير، أبيض هو أم أسمر وإنما يكلفهم الاذعان بسلطانه والانتهاء إلى أمره.)**
ولرد عن إشكالية من يخلط بين ذات الله وصفاته هو ماورد عنه سلام الله عليه حين سأله أحد الزنادقة، ما هو؟
قال: هو شئ بخلاف الأشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الأزمان،
فقال له السائل: فتقول: إنه سميع بصير؟
قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي: إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر. *
وهكذا نجد مولانا يرد على شبهات زنادقة زمانه ولو اننا اتبعناه حق اتباع لأمكننا مواجهة كل الشبهات المطروحة في زماننا الحالي والشبهات المستقبلية.
اضافةتعليق
التعليقات