رغم جراح الامس واهات الثكالى التي ترن في مسامعي، وغياب تلك الحشود النيرة في سماء هذه المدينة، التي طليت جدرانها البالية بدماء هؤلاء الفتية، وازهرت اوراقها بشسع نعلهم، فباتَ عطرها الياسمين، كَان هنا شيء من التراب المُبتل من ذاك الشاب النجفي حينما عرق جبينه ولم يعرق ضميره، هناك قطرة دم تحمل اثر تحركات الكربلائي في ساحات الوغى وكيف حمل رجولته على البندقية فكانت الضربة قاضية، في الامام خطى لعريس من بابل ما زال يطوف في يداه خاتم الخطوبة، كان هنا صوت لأخ ذبح، كان قد انحنى ظهره، لصدى امرأة اغتصبت وسحبت في الاسواق فقط لأنها لم تبايع الخليفة، مدينة مليئة بالصخب.
في هذه البقعة انقتلت البهجة، وتفجرت الامنيات، واغتيلت الطفولة، وضيعت الاثار، ونزحت منها الحرائر غصباً، وسيقت كالعبيد، بهتت الوان ازقتها واطفأت مصابيحها الهيجاء، سئمت القتل والدمار وتمسكت بمنائر الحشد، كما نحن متمسكون .
حتى جاء ذاك الصباح الذي بعثر دولتهم، وقتل الخليفة الذي كان يعلو المنابر ويصدح: قادمون، وجعل عاليها سافلها، ليهب لهم شيء من السلام!.
حكايات يتلوها جندي على مسامِع العائدين لهذه المدينة، يرتل عليهم آيات الحرب، ويهنئهم بعودة مدينتهم، وبشيء من الوجع يطلب منهم ان يعتنوا بهذه الارض، لطفا ايها العائدون ان لي احبة رحلوا هنا، رفاق الشهادة نزفت ارواحهم، لطفا عندما عدتم هل وجدتم اخي كان يقاتل في الجانب الايمن، هل سمعت صوت ابن عمي وهو يقرأ في الجانب الايسر، جميعهم رحلوا من اجلكم، اشتروا الشهادة بدماء شبابهم، وقتلوا على يد من باعوا المدينة بثمن بخس.
لم ندخل بيوتكم خوفا من رؤية صوركم المعلقة، وعانقنا الجرداء وعلقت صورنا في سمائها، سترونها في كل مساء، اوصيكم ايها العائدون ايضا اخفتوا من مناغاة اطفالكم فهناك من كان ينتظر مولده واخر لم ير اطفاله حتى اخر لحظة قاتل هنا، وعند اعراسكم تذكروا ان لنا عرسان زفوا الى الفردوس، حافظوا عليها واجعلوها في اعينكم، فلن يأتي الزمان برجال كرجال الحشد مرة اخرى، ولم تعد الامهات تقوى على الفقد فقد قدمت كل ما لديها لمدينتكم ولم تسأل يوما ولدها، في أي منطقة تقاتل انت؟ سنية او شيعية، او يزيدية، كردية، او غيرها كانت تقطع صمتها بتلك العبارة: الشهادة او النصر يا ولدي.
في مدينتي انا لم تعد ترى جدار خال من قطع السواد المعلقة عليه، وبقايا جروح مازالت تنزف في انتظار من يضمدها وحروق اكلت اجساد الشباب من تلك النار التي كانت تضرم فينا، تذكروا ان دخان هذه المدينة كان رسائل حرب، وفي حال انكم عثرتم على اشلاء صغيرة اجعلوها في قارورة وعطروا فيها دياركم، لأنها من رائحة الجنة، حدثوا اولادكم عن ولادة وطن، عن رجال لو كان الوحي موجود في عصرهم، لأنزل فيهم اية تمجدهم، انا راحلٌ الان ومعي كل الذكريات التي قضيتها في مدينتكم، كتب لي ان اعيش هذه اللحظة التي احتضن فيها نصركم، واعود بكل ما لدي من وجع وصمت حاملا معي التهاني والبشرى لأمهات الشهداء في عيدهم..
أرجو أن تقبلوا العذر مني إن قصرت حروفي، افرحوا ايها الشهداء رجعت الحدباء، كنتم على عهدكم عندما لبيتم نداء المرجعية، واكتفيتم بفتوى الجهاد الكفائي فكيف ان كان الجهاد العيني!! وهذا ما نأمل ان نراه في ظهور ولي امرنا صاحب الزمان، حملت قطعة من القماش الابيض ورفعت يدي وقلت لهم: ادخلوها بسلام آمنين ..
اضافةتعليق
التعليقات