ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "جهاد المرأة حسن التبعل"(١).
كلنا نعرف ما كُتب على الرجال من أمر الجهاد، ولكن هذا الحديث، وغيره من الأحاديث التي قد أَعطت المرأة مقام الجهاد والمجاهدين لكن في ميدان آخر، لذا يمكن أن نتساءل هذا السؤال:
هل يُمكن أن يَكون هناك وجه شبه بين الجهادين، أي جهاد الرجال في الساحات القتالية، وجهاد المرأة في بيت الزوجية.
كما ورد في حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جالس مع أصحابه، وسألته عما لها من جهاد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اعلمي - وأعلمي من وراءك من النساء - إن حسن تبعل المرأة لزوجها، واتباعها موفقته ومرضاته؛ يعدل ذلك كله"، فانطلقت تهلل وتكبر وتحمد الله عز وجل استبشاراً" (٢).
في حدود فهمي إن الشبه الجوهري بين الجهادين هو تحقيق الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس - كما ورد في الحديث المشهور عن النبي الخاتم (ص) - في كلا الجهادين.
وتجلى ذلك بالبذل والعطاء من دون طلب مقابل أو مردود مادي من أحد، إنما المبتغى عطاء الله ورضاه.
فالمجاهد الرجل قد هذب نفسه، وجاهدها حتى أصبح قادر على بذلها وإعطائها لمولاها، فقاتل أعداء الله فقُتِل، فتحررت روحه وعادت لموطنها فكُتب عند الله تعالى بذلك مفلحاً وشهيداً.
والمجاهدة المرأة قد هذبت نفسها فقاتلت "الأنا"، فتحررت من سجن النفس، وانطلقت روحها في رحاب الله تعالى، فتجلى جهادها ببذل وسعها من خلال طاعة زوجها وصبرها وتفانيها ووفائها لهذا العقد المقدس، فعاشت حياتها بذلك كالشهيد بحسن الأداء في كل ما يريده الله، فأصبحت مشهودة مرضية مفلحة عند المتعال.
بلى! فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف أهل التقى في خطبته المشهورة في وصف المتقين بأنه قال: "فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ".
فالمرأة التي تتقي الله تعالى وهي في عالم الدنيا تعيش ما يعيشه المجاهد الشهيد في ذلك العالم من نعيم.
ولها ما له من طِيب الحياة، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...} (آل عمران:171).
فالمرأة التي تسعى جاهدة أن تُهذب نفسها، وتُقبل على صعوبات الحياة، كما يُقبل المقاتل على صعوبة مقابلة الأعداء.
تتحمل ضغوطات الحياة وآلامها كما يتحمل المجاهد آلام الطعنات، وشظايا الرصاصات.
تَستسهل ترك ما تُحب وتَهوى كما يَستسهل المقاتل ترك أحبابه وكل الرفقاء والأعزاء بقلبٍ راض مستبشر ساعياً لبلوغ رضا المتعال ولقاه.
بلى! كذلك ستحيا حياة المجاهد الذي قُتل في سبيل الله. سيرزقها تعالى حياة طيبة كلها اطمئنان، وسيفرح الله قلبها ويسرّها من غير حسبان. بل إن جهادها يَعدل جهاد الرجال، فهي ستعيش حياة الشهداء مرتين في الدنيا وعندما تنتقل لذلك العالم إن شاء الله.
وهذا يفتح أمامنا باب من أبواب عرفان عظمة هذا الجهاد النسوي وثمراته الجلية، وهل هناك غاية أعظم لأي إنسان من بلوغ مقام الشهداء؟!.
اضافةتعليق
التعليقات