فتاة سومرية أصيلة حرمتها المخالب القاسية والأيادي التي تغرف دون شبع والضمائر التي طمست قيمة الانسان في الوحل من خيرات أرض الخير، فلم يصبها منه شيء أو تتهنى بمذاقه، ولم يبقوا لها فتات العيش لتحصن نفسها من بطش الباطشين وتنام قريرة العين ويغيب من بالها الخوف والوجل.
تسمى بالفصحى (السائلة، المتسولة) وباللهجة العامية العراقية (مجدية) وهذه المجدية التي عضها الدهر بأنيابه ودثر الغابرون فيها ملامح العزة والكبرياء تقف في شارع مليء بالتعرجات في إحدى مناطق العراق المنهوب، ولها غاية في تلك الوقفة فتعرجات الشارع تفرض على السائقين التباطؤ في السير فينتبهون لاستجدائها، ومع دنانيرهم أو بدونها فهي متخمة بالكلام الماسخ والألفاظ الرذيلة يقذفها عليها فقراء الادراك وفاقدي الحس، تحمل بيدها طفلا كست وجنتيه نسيج غضوب الشمس ونفحات البرد، مسروق البسمة، أشعث الرأس.
ومنذ أن رفع الحصار وارتفعت عائدات النفط وانفتح العراق على العالم حصل أمرٌ عكسي وهو ارتفاع أعداد المتسولين والفقراء، وقد طالت المتسولين الكثير من الشبهات وتحوم حولهم القصص والشائعات بانتمائهم لمافيات وتستخدمهم عصابات لترويج المخدرات وبيعها ومتهمين بقضايا الدعارة وانا مثل غيري تمسكنا بما يحوم حولهم من تهم ورواية غير واعية وفكرة غير منصفة ونظرة ضيقة منعتنا من التصدق على الظالم والمظلوم فيهم، والحذر والخوف منهم والابتعاد قدر المستطاع عنهم.
وهذه الفتاة أعطتني درسا جميلا وصعبا فليس كل مانسمع أو نرى هو حقيقة فهناك أنصاف حقائق وعلينا أن نطلع وندقق ونفهم السبب لكي نحكم على النتيجة بعدالة.
كان موقف بدقائق حمل الكثير من معاني الطيبة والمروءة ففي أحد الأيام وأنا في سيارة الأجرة والطريق مزدحم ننتظر أن يفض الزحام لنمضي في طريقنا، جاءت مسرعة وانحنت على جروٍ يرثى له يقف على رصيف الشارع وراحت تمسد على ظهره ورأسه بحنو ورأفة وعينيها تبرق فرحا ووجهها المتعب المتيبس انفتحت أساريره ونظرها ينتقل بين الجرو وطفلها تشجعه للإمساك بالجرو وملاطفته ثم حملت بيدها الاخرى الجرو وانطلقت، رايت العظمة والسمو والانسانية الذي حاول السارقون والفاحشون اسدال سدوله عليها، وقد تجاوزت المعلومة وأهملت النصيحة التي تربينا عليها والتي تقول كل الكلاب نجسة وكل البشر أطهار.
وأنا أوجه لك رسالة اعتذار على كل مرة رأيتك فيها وأشحت بوجهي عنكِ وتوجست منك خيفة واستصغرتك بها.
وأدعو الله أن يسود وجه كل من اغتصب حقك وسرق منك جمال الحياة وروحها، ورسم لك هذا الطريق لتسلكيه مرغمة ومجبورة أو مغرر، وأهدر كرامتك وفطر قلبك...
سلاما لروحك الطاهرة البهية النقية.
اضافةتعليق
التعليقات