بعث الله خاتم الرسل محمد (صلى الله عليه وآله) بدين يضم بين جنباته أجمل القيم وأدق الأحكام وأسمى المبادئ وأرقى الأخلاق، دين عدالة واعتدال، شريعة تحافظ على كرامة الانسان وتدافع عن حريته وتهدف الى إسعاده وتكامله، فكان النبي (ص) محمد بحق النموذج الأمثل لمفاهيم هذا الدين الجميل من خير وفضيلة وانسانية.
وتاريخ الرسول (ص) خير شاهد على ذلك، فالناس على اختلاف مشاربهم كانوا في نظره كأسنان المشط، وسعى طوال حياته الشريفة ولاسيما خلال حكومته في المدينة المنورة الى حمل مسؤولية التغيير وبناء دولة إسلامية فيها كل مقومات السعادة والفلاح، من اقتصاد اسلامي قوي الى النهوض بالمسلمين فكريا وثقافيا، وكانت إحدى الطرق الرائعة والتي تدل على انسانية الرسول هي دعوة الأسارى الى تعليم المسلمين بعض العلوم مقابل اعتاقهم!.
لم يكن في حكومته، ظلم ولاسجون ولابطالة وعنف وفساد، إلا بعض محاولات أعدائه في سبيل إضعاف دولته صلوات الله عليه..
وبنظرة سريعة لمنظومة قيم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف والتي حمل لواءها رسول الله وعترته الطاهرة، نذكر بعضا منها وتعضدها أقواله صلوات الله عليه جاء بها عن الله جل وعلا..
دعا رسول الله الى بناء فكر الانسان بالعلم والمعرفة، فقال: "اطلبوا العلم ولو بالصين". واهتم بتنمية نفس الانسان وشحنها بالطاقة الايجابية والثقة في قوله: "تفاءلوا بالخير تجدوه". وأحب أن يكون المؤمن شجاعا "ولو بقتل حية". والاسلام نظيف يحب التنظف ف"النظافة من الايمان". وحمل النبي همّ الشباب وهيّأه للعمل والزواج وتكوين أسرة والتي من ضرورياتها وجود منزل يأوي العائلة فكان القانون الاسلامي المُغيّب: "الأرض لله ولمن عمّرها".
ومع وجود كفار قريش من جهة واليهود وغيرهم من جهة اخرى، لم يظلمهم الرسول فأغلب حروبه كانت دفاعية معهم، بل أنصفهم وعاملهم بالحسنى، ولم يجبرهم على اعتناق الاسلام فكان المبدأ القرآني: "لا إكراه في الدين".
وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكن ب"الحكمة والموعظة الحسنة". وعرّف المسلم وقد تعددت تعريفاته اليوم، وكان: "من سلم الناس من لسانه ويده". ورفض حرق الاشجار في مواجهاته مع المشركين ومنع التنكيل ولو بالكلب العقور.
جاء بأحكام شرعية تعكس احترام الاخر في حالات دقيقة، فالصلاة لاتجوز على أرض مغصوبة وكذلك في الوضوء والمكان.. وحتى الميت لا يُدفن بكفن مغصوب مالم يأخذ الاذن من صاحبه!. ومع هذا فيأتي بقاعدة اسلامية مهمة وهي أن: "للضرورة أحكام"، فيبيح أكل (الميتة) ولكن بقدر، وذلك عندما يشارف الانسان على الموت جوعاً.
أحكام في قمة العدالة والسماحة تعلمنا مراعاة القانون والملك العام وتدعو الى التفكير خارج دائرة الأنا، فيقول (ص): "لاتسرف في الماء ولو كنت على نهر جار"، ومن باب اخر يبيح الحقوق الخاصة والشخصية، فيقول: "لا إسراف في العطر".
وضع قوانين للبيع والشراء وحرّم الربا وحارب الغش والرشوة، ف: "من غشنا ليس منا". و"لعن الله الراشي والمرتشي". شريعة تحترم المرأة وتقدرها في الوقت الذي كانت توأد وتُنبذ وتُهان، فقال: "رفقا بالقوارير".
وغيرها الكثير من السلوكيات والأحكام التي يطول بها المقام إن تناولناها جملة وتفصيلا..
كان بحق رحمة للعالمين، وأمته "خير أمة أخرجت للناس"، أما اليوم ومع بالغ الأسف هي من أسوء الأمم وأكثرها عنفاً وتخلفا وفسادا.. حروب وصراعات، مجاعة وبطالة، ظلم وأمراض وووو...
أمام كل هذا ضاع المسلمون وباتوا في دائرة من التشتت، وتعددت البوصلات فتاهوا، وتدافعت النظريات في أذهانهم وتداخلت مع عصر العولمة، فأُعجبوا بالغرب والدول المتقدمة الاخرى ممن لايدينون بالاسلام وانبهروا بإنسانيتهم وتطورهم وخدماتهم الحضارية ورفاهية مواطنيهم، فكانت الفتنة وانقسموا الى طرفي نقيض، فمنهم الارهابي المتعصب ممن أخذته الحمية الجاهلية _وليس الاسلامية كما يدعون_، فهبوا يدافعون عن دين آخر ونبي آخر بريء منهم ومن أفعالهم، لأن وسائلهم تنافي قيم رسول الله، فكانت القتل والتفجير والتكفير والعنف..
والاخر ذاك الذي تولدت لديه رد فعل من الارهابي أولا، وثانيا ممن شوّه الدين واستغل إسمه في مجالات عديدة لتحقيق مآرب سياسية ومالية واجتماعية، فأصابته نتيجة ذلك (فوبيا) من الاسلام وإنما يجب أن تكون من المسلمين بتعبير أدق، فخاف الغير مسلمين من هذا الدين من جانب، ومن جانب ثاني خاف وابتعد بعض المسلمين ايضا مع بالغ الاسف تجنبا من عدوى تلك النماذج السيئة، وتركوا الحبل على الغارب كما يقال، وتبنوا حرية تنافي الدين، فهم أحرار بطرق منها على حسب فكر الكاتب جورج اورويل الذي يقول: "الحرية، هي حقك في أن تقول للناس ما لا يرغبون في سماعه". وبطريقة اخرى يصمتون امام الانحلال والشذوذ ويسمونها حرية شخصية، وتركوا مقابل هذين التناقضين، مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من فروع الدين الاسلامي. فحملوا هوية مسلم، وهم بلا صلاة وحجاب وخمس...، ولم يأخذوا من أقوال محمد سوى: إنما الأعمال بالنيات!.
بين هذا وذاك، هناك منطقة آمنة وبِناء ضد الزلازل والكوارث وجبل يقي عن السيول الفكرية الخاطئة، تجاهلها الكثير وابتعدوا عنها وهي التي أرسى قواعدها رسول الله ومن بعده أهل بيته الكرام وهي: الوسطية والاعتدال..
(إنما جعلناكم أمة وسطا)، آية قرآنية يريدنا الله أن نعيش وفقها، نعم، الوسطية هي تلك المنطقة الآمنة، وفهم هذا المبدأ ليس بالسهل كما نعتقد، فقد يفسرها البعض أنها التخلي عن أساسيات معتقداتنا في سبيل التعايش مع الاخرين، وهي ليست كذلك، وانما احترام وحوار واعتدال على نهج وطريقة محمد وال محمد..
على سبيل المثال، من أجمل الصفات عند الشعب الهندي أنهم إن سافروا الى شرق الارض وغربها، ولاسيما علمائهم العباقرة وأطبائهم ذو العقول الفذة، فهم لايتخلون قيد أنملة عن لباسهم وطقوسهم التي قد يراها (الانسان المتحضر) شيئا غريبا وتخلفا وغير ملائما، إلا انهم لايلقون بالا وبالفعل الكثير يحترمونهم ولاينتقدونهم لأنهم يتعاملون مع عقل وفكر وليس مظهر ومعتقدات لاشأن لهم بها..
ونرى بعض المسلمين يخجلون من دينهم، لأن إيمانهم ضعيف وثقتهم تزعزعها نظرة الاخرين لهم.. بيد أنه، لابأس بمواكبة التطور والتقليد ولكن بالأمور الايجابية والحسنة، ولاسيما في مجال التنمية والعلم والتكنولوجيا، وليس إتباع أعمى وتقولب كامل لطريقة حياتهم..
حري بنا ونحن نعيش أيام المولد النبوي الشريف أن نعرف تكليفنا ووظيفتنا كمسلمين، أن نحيي فكر رسولنا ونؤازره عن طريق الدفاع عن الاسلام أمام مضلات الفتن، أن ننشر القيم الصحيحة وليست المشوّهة، ونبين التاريخ الحقيقي وليس الأصفر المزوّر، أن لانسكت ونستسلم أمام كل من هاجم وانتقد واستهزأ..
أن نشيع ثقافة محمد (صلى الله عليه وآله) وسيرته وأخلاقه ووصاياه.. أن ندافع بسلاح الدين والفكر والاخلاق عن دين جميل لايشوّهه متأسلم!، فأولئك يمثلون أنفسهم فقط، وأن نحشّد من حولنا للقتال خلف ساتر ثقافي، وأن نصبر ونتحمل، فمشقة القتال ليست هيّنة، وأخيرا، أن نكون نموذج حقيقي يفتخر به نبينا ولايخجل منه غداً أمام بقية الرسل، وأن نبذل كل مابوسعنا للتبيلغ عن الدين الاسلامي، المهم ألا نبقى متفرجين!.
اضافةتعليق
التعليقات