كان ولدي حاضرًا دائمًا في مجالس العزاء, يسارع في تنظيف الحسينية وتوزيع الماء للمعزين والمارين, وفي كل عام يحث رفاقه للمسير معه الى كربلاء في يوم الاربعين, لكن هذا العام، الحسينية, وطريق كربلاء والموكب, كلهم يفتقدوه, فهو لم يحتمل فراق الحسين فذهب إليه شهيداً.. وها انا اسير اليوم معه ليكون رفيق دربي بروحه التي تسير معي صوب معشوقه ومعشوق الملايين, ابا الاحرار الحسين (عليه السلام).
ام تحتضن صورة ولدها لصدرها لترافقها في ركب مسيرها, بعيون اغرورقت بالدمع ودعتنا لتمضي وتكمل مسيرها, أي صبر حملت روحها النقية, كانت وحدها تحث الخطى, قالت لنا بثقة لا مناص منها: لستُ وحيدة فرفيق دربي روحه.
لم تكن هي وحدها من حملت صورة ولدها ومضت برفقة روحه لتحيي شعائر زيارة الاربعين, بل هناك الكثير, الكثير, حملوا صور شهدائهم, امهات ثكلى, واباء, واخوة, واصدقاء, وابناء, رافقتهم ارواح احبائهم, ليشاركوا معهم تلك الطقوس التي دفعوا دمائهم الزكية ثمنا لأحيائها, وها هم اليوم كلهم حملوا جواز سفر النجاة, ليبحروا في سفينة الحسين فلن يغرق من التحق بركبها..
وصلت إليه قبلك
(الشهيد ابراهيم هادي)، اعتلت وجهها دهشة خالطها شعور عجزت عن وصفه، نور علي شابة التحقت بأسرتها في رحلة العشق الحسيني قالت: "توقعت كل شيء وانا اسير لسنتي الثالثة في هذا الطريق الذي يقودني نحو جنتي كربلاء, غير اني لم اتمالك دموعي حينما استوقفني احد الشباب كان يرتدي زي يدل على انه من المتطوعين لخدمة الحسين (عليه السلام) سجل اسمي وناولني صورة لشهيد, وقال لي: (سيكون هذا الشهيد رفيق دربك, وانت النائب عنه في الطريق) تمالكني الوجل، للوهلة الاولى شعرت ان روحه تحوم حولي وهي ترافقني, وكلما تقدمت في خطاي انظر الى صورته اود ان استنطقها واخبره سنصل قريبا يا ابراهيم.. وكأن بلسان حاله يقول لي: (انا وصلت قبلك اليه, فقد التحقت به منذ يوم استشهادي).
طريق منار الأحرار
كربلاء منذ طفها الاول اضحت طريقا ومنار الاحرار, اجتمعت بها كل الاديان من شتى بقاع العالم, ولم يتوقف نبض الحسين (عليه السلام) عند ذلك, بل حمل بجنبيه صور جديدة ابكت المحاجر بدل الدموع دماً, حينما نظم اهالي الشهداء مسيرة تعتلي صور ذويهم ليشاركوا في مراسيم احياء زيارة الاربعين, كمواساة لصاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهنيئا لتلك الاجساد التي استنزفت دمها من اجلك احياء شعائر عاشوراء, وهنيئا لأرواحكم التي ما زالت تشارك بها.
اضافةتعليق
التعليقات