أقسى مافي الحياة عندما تجد نفسك وحيداً وسط الطريق.. تستجدي عطف الغرباء بعد أن تخلى عنك أقرب الناس اليك.
هذا ماكان يدور في داخلها، ولكن لاتستطيع التعبير من شدة ذهول الموقف الذي ألمّ بها حينما أخبرتها جدتها أنها لاتستطيع الاعتناء بها وتحتضنها بعد وفاة والدتها.
ذلك البيت الذي اوصتها والدتها اذا ضاقت بك الحياة فبيت جدتك اولى فهي تعتني بك من بعدي.
فرح يتيمة الأب، أختطف الأنفجار والدتها لقد أبكت الملايين، بعد تداول مقطع من حلقة برنامج عراقي استعرض مشكلتها، بعدما تخلى عنها أقرب الناس إليها.
الطفلة “فرح” تبلغ من العمر 8 سنوات حيث كانت تسكن في منزل جدتها.. حيث فضلوا أن يتم وضعها في دار أيتام لرعايتها دون مبرر.
وأثار مشهد للطفلة وهي تبكي بحرقة مما حدث لها من أهلها وعدم رغبتهم في رعايتها وإكمال حياتها معهم تعاطف الكثيرين على مواقع التواصل حيث عرض العديد تبنيها، وهو الأمر الذي رد عليه مذيع البرنامج خلال الحلقة بأن القانون العراقي لا يسمح بتبني من تجاوز عمره أربعة أعوام.
ورغم أنه تم احتواء مشكلة الطفلة بوضعها في دار للأطفال لكي تعيش طفولتها وسط العديد من الأطفال في سنها وإخراجها من الحالة النفسية التي أثرت فيها، إلا أن ما رأته في الدار من أطفال وألعاب لم ينسيها ما حدث لها لتنهمر في البكاء عند مغادرة الإعلامي الذي احتوى مشكلتها وكان معها في كل خطوة حتى دخلت للدار.
أقول لهذه الطفلة ولكل طفلة فقدت امها، نحن شعب أُبتلي بالحروب، طفل لاذنب له في كل الحروب.. لاناقة له ولاجمل في كل مايفعله الكبار بهذا العالم.. لاحول له ولاقوة ازاء ما يصنعه نافثو الدخان.
طفلتي كيف عساكِ أن تتحملي فقد الأحبة، عندما تأخذك الذاكرة الى أعماق الماضي الجميل حيث كُنتِ بين أحضان الأمومة، اذ من ذا الذي يضع لك أشرطة الظفائر البيضاء، ومن يساعدك في ارتداء الصدرية الزرقاء، من الذي يطبع على جبينك قبلة ذهابك الى المدرسة...
يحفر ألم الحروب في اعماق الأنسان أخاديد لاترمم بيسر، فهي ذاكرة الموت الذي يقتلع المرء من حياته وعائلته. الفراق واليتم امر عظيم لا تستطيع هذه المخلوقة الصغيرة ان تتحمله، لذلك كانت تعبر عن الم الفراق بالبكاء، قد تكون هناك ظروف لانعرفها تجبر تلك العائلة لعدم احتضانهم فرح، فكما يقولون (البيوت أسرار).
ولكن الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الاسلام... فالرحمن ارحم بنا من امهاتنا فلا يأتي بداء إلا وقد وجد له دواء فقد اوصانا ديننا الحنيف على هذا الطفل الصغير.. فقد اعتنى به من كل النواحي النفسية... التربوية... المادية..
يقول تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الضحــــى.
واليتـــــــــم يكفيه شرف أن أفضل الخلق وخاتم النبيين كان يتيما {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}.
وكذلك الله سبحانه وتعالى عظم اجر كافل اليتيم فقد قال افضل الخلق والمرسلين:
" أنا وكافل اليتيم كهاتين" وأشار بأصبعه السبابة والابهام.
انها ليست قضية فرح فحسب بل العديد من اليتامى الذين فقدوا ذويهم بسبب تفجيرات الحروب أو القتل على يد العصابات التكفيرية.
وعلينا فقط أن نذكر أن تقارير دولية تشير إلى أن العراق بات يضم النسبة الأكبر من الأيتام في العالم العربي لاسيما بعد الإحصاءات الأخيرة لوزارة العمل والشؤون الأجتماعية التي أشارت إلى أن عدد الأيتام في العراق بلغ نحو خمسة ملايين طفل أو ما نسبته 16 بالمئة، أغلبهم يعاني من تهميش المجتمع والحكومة.
ولن نستطيع بناء مجتمع عراقي سليم من الأمراض الاجتماعية إلا بعد معالجة ما يتعرض له هؤلاء الأبرياء، الشوارع حضانة للإرهاب والجريمة وتفشي الأمرض العصرية والإدمان على المخدرات وممارسة المحرمات، وترك الأطفال واليتامي في العراء سوف يقودنا إلى الكثير من المآسي في القريب.
لكفالة اليتيم العديد من الآثار الإيجابيّة والتي من شأنها زيادة استقرار وترابط المجتمع حيث إنّ كفالة اليتيم تضمن إنشاء مجتمع سويّ خالي من المشاكل والعيوب النفسية والعقد والمشاكل المختلفة، ولا سيما لليتيم نفسه، فهو إن لم يجد اليد العطوفة الحانية عليه لن يجد له ملجأً وملاذاً يستقبله إلا الشارع؛ فبكفالة اليتيم يُنشأ جيل صالح محبّ متماسك متعاطف بعيداً عن الانحراف والجرائم، وبكفالة اليتيم يتم تعليم الكل الحبّ والخير، والعطف، والحنان، فالطفل اليتيم لن ينسى من رعوه وأحسنوا رعايته وسيقوم هو بدوره بكفالة أيتام آخرين وبالتالي المساهمة في بناء المجتمع.
بالرغم من التبرعات الكثيرة من المؤسسات الخيرية، والناس الخيرين إلا أنه تبقى مسؤولية ورعاية اليتيم مسؤولية الحكومة ومن واجبها التشريعي.. لأن دور الأيتام يحتاج الى مسؤولية كبيرة، وموارد تعيل وتوفر للأيتام مايحتاجون اليه حتى يصبح اليتيم ويعتمد على نفسه.
وذلك من خلال دعم مؤسسات رعاية الأيتام، ومطالبة الحكومة العراقية ومجلس النواب بالإسراع في تشريع قانون لحماية حقوق هذه الشريحة، وسد احتياجاتها المادية، وتوفير الدعم الصحي والتربوي لها، فما حدث في العراق بعد عام 2003، ولَّد أيتاما كثيرين، وهم بحاجة إلى دعم صحي ونفسي وتربوي.
ويجب على منظمات حقوق الإنسان والجهات الرسمية والمنظمات العالمية باحتضان هؤلاء الأيتام وسد احتياجاتهم المادية.
اضافةتعليق
التعليقات