مازلتُ هنا في هذه التي تُدعى فانية!
العجلة الكبيرة تلك، يُقال عنها إنها زائلة! لكنها ما زالت تلقفُ كل من تراه أمامها بكل شراهة!
وانا ما زلتُ واقفة، بين الأمس واليوم أتاملها، هي ذاتها لم يتغير شيء، مايتغير فقط تلك الوجوه التي تدعسها..
مازلتُ أتذكر جيداً تلك الكلمات التي تمتم بها ذلك السيد الوقور، جميل المُحيا والسريرة، بصوته الهادىء قبل رحيله:
إذا خسر الانسان كل شيء وربح آخرته، فإنه ربح كل شيء..
ولكن ياسيدي، كيف للأنسان ان يتحصن بدرع القوة والعزيمة وسط هذا البحر المُتلاطم من الفتن وتقلب الأحوال!
كيف يمكن للقلب أن ينال مرتبة الثبات كما فعل قلبك؟ كيف له أن يتحمل تقَّلب تلك الجمرة بين كفيَّه ويصبر؟
ما زلتُ أقضي ساعات طويلك أتفكَّر بكَ أيها السيد الوقور، كيف تستطيع أن تكون بهذا الكم الهائل من الحُلم؟ كيف أستطعت أن تُصارع هذه العجلة؟
بلى، بلى قُلتها يوماً:
ان الحُلم ليس فضيلة أخلاقية فقط، وإنما هو قوام الحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة..
ولكن مهلاً ايها المُبجل!
قوام الحياة الطيبة بدأ يضمحَّل شيئاً فـ شيئاً، في تلك العجلة قََّل المتعلمين على سبيل نجاة..
ليزداد الهمج الرُعاع أولئك الذي ينعقون وراء كل ناعق!
أخبرني كيف بأمكاننا أن نُقوَّم الحياة مرة أُخرى لتعود؛ طيبة!
مهلاً! بلى أتذكر كلمتك تلك: يحتاج الانسان في علاقته مع الله تعالى الى وسيط وليس هنالك وسيط أقرب إليه سبحانه من محمدٍ وآله..
أذن هكذا هو الأمر؟
هُنا تكمنُ الحُجة؟
نهاية ذلك النفق المُظلم يلوح النور، فائزُ من تبعه، وهالكُ من تخلى عنه، الامر أكبر من مجرد عمل صالح يؤديه القلب وحرام يجتنبه او مكروه لا يدنُو من عتبته، الأمرُ يحتاج لدليل يأخُذ بجلابيب القلب نحو مكامن الفوز، يحتاج لسفينة غير قابلة للغرق موسومة بالنجاة لكل من ركبها والهلاك لكل من تخلى عنها..
ألم تختصر الامر أجمعه بمقولتكَ تلك التي ما زالت تطرقُ مسامع فؤادي كلما هبت الرياح الشعواء من الفتن السوداء: إن الانسان الذي يجري حب الإمام الحسين صلوات الله عليه في قلبه وعروقه لا يمكن أن يفقد دينه وإيمانه..
الآن أيها السيد قد إكتمل طرفيَّ المعادلة أصبحت متعادلة موزونة، إنه سيد الشهداء صلوات الله عليه!
هو العنصر الذي عادلها وعدَّلها، فحُب ذلك الذبيح الذي توسد الرمضاء الحارقة وهو يداعبها بكل ود حين يجري في أوردة الحياة يُقوَّمها فيعودُ بها طيبة، ويجعلنا نقبضُ تلك الجمرة بكل صبر وإيمان..
مُحمد رضا، أيها السيد الوقور..
أعلم أنك لم تستسغْ تلك العجلة، لم ترُق لكَ فكرة أنها زائلة فالذي يُعانق الخلود يأبى الفناء، أعلم إنك عالمُ رباني ومكان الربانيون السماء، هناك حيثُ تحت ساق العرش يُعقدُ مجلس العزاء لذلك المنحور، أعلم إن كل ما أصابك من ظُلم وإعتداء هيَّن مادامت جراحك ترتمي بأحضان أمك الصديقَّة الشهيدة، لترقد بسلام..
أنت فائزُ، المُتحسر هو من فقدكَ، فقد علومكَ وأخلاقكَ، فقد وجودك الذي يشعُ إيماناً وأخلاقاً، ألم تكن حُلم الصادق لمُستقبل الإسلام؟
إذن نحن من خسرناك، نحنُ من بقينا نُعاني ونُعاني في هذه الظلامات أيتام لآل محمد، لا شيء يصلح الحال سوى ذلك الذي يأخذُ بنا من شتات الظُلمة الى نور اليقين..
نسألك الدعاء ليظهر ذلك الخائف المُترقب فـ يملئها عدلاً وقسطاً..
اضافةتعليق
التعليقات