ظلم، وقهر، وكبت، وتهميش، وأخيراً ضرب وإيذاء، جميعها علامات لممارسة العنف الأسري ضد المرأة، التي اعتادت ألا تفصح عن أشكال كثيرة من العنف النفسي أو اللفظي التي تمارس عليها، وهو ما شجع في النهاية على تعرضها لعنف جسدي، قد تتحمله بعض النساء خوفاً من الطلاق أو لعدم وجود ملاذ لهن، ولا تتحمله أخريات فيقررن الهروب إلى المجهول.
الضحايا لهذا النوع أو ذاك من العنف كثيرات، والحكايات المأساوية كثيرة، بين المحاكم ومراكز الشرطة وخلف ابواب البيوتات وبين العوائل.
عنف يدفع بالنساء الى الهرب من البيوت
وكانت شرطة كربلاء قد القت القبض على طليق إحدى زميلاتنا في العمل وهي تلك المرأة الاربعينية التي عرفت بالكياسة والهدوء والإيثار وحبها لمساعدة زميلاتها في كل المناسبات، سقطت صريعة ب9 اطلاقات نارية اخترقت أحشائها على يد زوجها السابق، ولانتحدث عن الأسباب لان الأسباب مهما كانت ليست مبررا كافيا لإطلاق النار على امرأة.
والكثير من جرائم العنف يفلت مرتكبها من العقاب وقد تتكرر هذه الجرائم وعلى نفس الضحية.
(س .محمد) الشابة التي التقيتها في المحكمة وقد ازرق وجهها وجسدها قالت: ان والدي ضربني مرة ضربا مبرحا وصل الى انه مسك السكين واراد قتلي الا ان امي وقعت تحت قدميه تتوسل به فاستمر في ضربي بقدميه حتى ادمى وجهي، وعندما تكررت هذه الحالة استطعت الهرب الى بيت احدى صديقاتي التي نصحتني بتسجيل شكوى ضد ابي واخوتي فذهبت وفعلت وهربت من اهلي الى محافظة ثانية وحصلت على عمل بشهادتي الجامعية وسكنت مع مجموعة طالبات الاقسام الداخلية الا ان اخوتي استطاعوا الوصول الى عنواني مرة ثانية وبعد تدخل "قسم حماية الاسرة والطفل من العنف الاسري" وعدوا بعدم ضربي وتعنيفي وترك حرية اختيار الزوج لي وعدم اجباري، وعدم الاستيلاء على راتبي الا ان اهلي تعهدوا امام ضابط المركز بتعهد خطي بعد ضربي وتعنيفي وكان ذلك اجتهاد شخصي من الضابط في محاولة تسوية الموضوع عائليا، الا ان ذلك لم يستمر طويلا وعادت المعارك غير المتكافئة بيني وبين اخوتي وابي والتي تكون نهايتها ضربي ضربا مبرحا والاستيلاء على راتبي ولم نصل الى حل، لذا اذا هربت قتلوني وإذا بقيت ضربوني واذا اشتكيت (قشمروني)..
وتتابع ان الموضوع ليس مجرد ضرب واهانة فقط، ولكن الذي يحصل ان العنف يمس ارواحنا ويوجعنا ويكسر قلوبنا من الداخل ونبقى نعيش ظاهريا فقط نأكل ونشرب وقلوبنا ميتة ولا ارى في الافق ان هناك تغيير او حل ونحن نحتاج الى معجزة كونية لكي يفهم مجتمعنا ان المرأة هي اصل الحياة وان تعنيفها يصنع مجتمعا وحشيا.
وروى لي ضابط الخفر(ع .ش) من قسم حماية الاسرة والطفل في كربلاءان شكوى متكررة تأتي من سيدة على زوجها السكير الذي يضربها يوميا ولايكتفي بضربها بل يطردها خارج البيت ليلا ويقفل الباب خلفها وعندما اتصل به هاتفيا واهدده بالسجن والعقوبة التي يستحقها يعتذر ويتوسل ويكرر اعتذاره وتعود الزوجة مرغمة معه لأن اهلها في محافظة ثانية ولأن اولادها معه ومثل هذه الزوجة قد نجدها هاربة لوحدها او مع اطفالها وتنام مع الزائرين بين الحرمين الى ان تعثر عليها قوات حفظ النظام بين الحرمين وتقوم باللازم.
قسم حماية الاسرة والطفل من العنف
وكان قسم حماية الاسرة والطفل من العنف الاسري في وزارة الداخلية قد بين في احصائية لانواع جرائم واعتداءات العنف في العراق للعام الماضي حيث شكلت حوادث اعتداء الزوج على زوجته 54% واعتداء الزوجة على الزوج 7% والاعتداء مابين الاخوان والاخوات 5% واعتداء الابناء على الام والاب 6% واعتداءات اخرى متفرقة تشكل 16%.
واوضح ضابط التحقيق النقيب تيسيير من قسم حماية الاسرة والطفل في كربلاء ان القسم يعمل بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 71 وقانون التنفيذ رقم 45 لسنة 80 مع قانون الاحوال الشخصية رقم 188لسنة 59 والقانون المدني رقم 40 لسنة 82. وذلك لعدم صدور تشريع خاص بقسم حماية الاسرة والطفل من العنف بل هناك مقترح قانون يناقش سنويا في البرلمان وتسجل عليه بعض الاعتراضات وذلك لتعارض بعض ضوابطه وتفاصيله مع العرف او الشرع او بعض المواد القانونية في الدستور ومنها مادة التأديب (تأديب الزوج لزوجته او تأديب الاب لابنه). مع العلم ان القانون صدر في كردستان ومعمول به ويوجد دار للمعنفات في سليمانية واربيل.
واشار تيسير ان بعض شكاوي العنف بين الطرفين تكون كيدية وترفع لتحقيق اهداف وغايات اخرى ومع ذلك ترفع للقاضي ويتم التحقيق فيها. وعدم وجود باحث اجتماعي في القسم يقلل من كفاءة وفاعلية الجهد المبذول في القسم لدراسة المشاكل ووضع الحلول اللازمة لها. وفي بعض الاحيان ترفع الدعاوي التي تكون بحاجة الى باحث الى محكمة الاحوال الشخصية لبيان رأي الباحث لاغير وهذا الرأي غير ملزم للقاضي عن صدور حكمة في حين القانون الجديد وضع اهمية ملزمة لراي الباحث الاجتماعي.
التوعية الاجتماعية
المحامية والناشطة في حقوق المرأة والطفل كوثر الناصر أكدت احصائيات ودراسات في حقوق المراة والطفل تدل على اتساع ظاهرة العنف الأسري في البلاد، فيما اشارت إلى أن 90% من الدعاوى المعروضة كانت الضحية فيها المرأة، وتعود الأسباب إلى تدهور الوضع الأمني والاقتصادي الذي ينعكس سلباً على الأسرة.
واكدت الناصر على ضرورة التوعية الاجتماعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أو في المجتمع العام، إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقها، وكيفية الدفاع عنها، وإيصال صوت مظلوميتها إلى العالم بواسطة كافة وسائل الإعلام، وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واعي ومستقل لوجودها.
ومن طرف آخر نشر هذه التوعية في المجتمع الذكوري أيضا، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل نصف المجتمع بل غالبيته.
فضلا عن الدور التي تلعبه وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في بث العديد من الثقافات إلى جميع المجتمعات سلبا أو إيجابا واضحة للجميع، لذا من الضروري تعميم هذه التوعية لتصل إلى هذه الوسائل لتقوم بالتغطية اللازمة لذلك.
ولابد من تضاعف هذه الجهود بالنسبة إلى وسائل التلفزة لحذف المشاهد والمقاطع التي توحي من قريب أو بعيد إلى تدعيم ظاهرة العنف ضد المرأة.
واشارت الناصر الى وصايا اهل البيت المعصومين (ع) في حق المرأة، وعن رسول الله (ص): (اتقوا الله عزوجل في النساء فإنهن عوان (أي أسيرات) بين أيديكم، أخذتموهن على أمانات الله)، وعنه (ص): (مازال جبرائيل يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرّم طلاقهن).
وعن أمير المؤمنين (ع): (إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) و(الاستهتار بالنساء حمق)، وعن الإمام زين العابدين(ع): (وأما حق زوجتك فان تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا وأنسا، لأنها أسيرتك (فهي قد ربطت مصيرها بمصيرك. إذن فهي مثل الأسيرة لديك) ولابد أن تطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها).
وأخيرا.. فان مشوار علاج العنف لازال في بداياته حتى تتغير العقلية والرؤية العامة تجاه المرأة، وتصبح المرأة إنسانا ذو كيان، وذو اعتبار ثابت لايمكن في أي وقت التنازل عن حقوقه والتضحية عن مكتسباته.
وإن أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فهناك كلام كثير يقال عن المرأة، لكن ما يمارس يختلف ويناقض ما يقال، فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.
اضافةتعليق
التعليقات