إن الباحث في حياة الأئمة (عليهم سلام الله) يجد سيرة حياة متكاملة من الجوانب العبادية الإيمانية الإنسانية حتى تجد أن بعض الأئمة عاشوا في ظروف التحدي والمواجهة المباشرة مع السلطات من أجل كلمة حق أو نصرة الحق.
مما جعل السلطات تتخذ اجراءات ظالمة وغير انسانية في حقهم (سلام الله عليهم) من السجن أو التهجير وأخيرا القتل.
فكان كلامهم أن القتل لنا عادة. ونحن في صدى استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام).
حيث بدأ الإمام مسيرته ونشر رسالة الدين المحمدي بينما كان الصراع السياسي في أقوى ظهوره وبدأ بخطوات عملية في هذا الإطار من خلال تكيف النصح والإرشاد.
وأما الجهاد العسكري فلم تكن الأمة جاهزة لمثل هذا الخيار ولم يكن هناك الأنصار الكافية والأجواء الملائمة لمثل هذا الأمر خاصة بعدما كانت واقعة عاشوراء ما تزال في الذهن.
فإن الإمام (عليه السلام) كان يعلم أن أي عمل جهادي مسلح لن يكتب له النجاح في الظروف الراهنة لشدة ظلم وقوة المنصور والمهدي والهادي والرشيد.
بينما يجد المتابع في حياة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وضوح رسالة الإمام وكظم الغيظ وتثبيت العقيدة والأمان في قلوب المؤمنين من خلال ارسال المسائل الشرعية ومتابعة أوضاعهم العقائدية والمالية.
وبالرغم من الظروف القاهرة التي كانت تحيط بالامام موسى الكاظم (عليه السلام) والتقية المكثفة التي كانت تحيط به وكان طواغيت عصره تتربص به لقتله.
أربعة من طواغيت بني العباس هم: أبو جعفر المنصور، ومحمد المهدي، وموسى الهادي، وأخيراً هارون الرشيد ومواقف الإمام من هذه سياسة فكانوا طواغيت أربعة.
روى السيد هاشم معروف الحسني في كتابه سيرة الأئمة (ج2 ص328): إن المهدي العباسي استدعى الإمام الكاظم (عليه السلام) وعرض عليه أن يرد فدكا إليه، فرفض الإمام (عليه السلام) قبولها، ولما ألحّ عليه المهدي قال (عليه السلام): لا أقبلها إلّا بحدودها، ولما سأله المهدي عن حدودها، قال (عليه السلام): الحد الأول: عدن، فتغير وجه المهدي، لكن الإمام واصل كلامه قائلاً: والحد الثاني: سمرقند..
فأربد وجهه، ولم يعبأ به الإمام وخاطبه بلهجة الواثق: والحد الثالث أفريقية.. ولم يمهله المهدي حتى سأله باضطراب واضح: والحد الرابع؟ فقال (عليه السلام) وهو ما يزال محتفظاً بهدوئه ولهجته المطمئنة: سيف البحر ما يلي الخزر وأرمينية.
فلم يتمالك المهدي وهو يسمع الحد الرابع إلا أن قام والغضب يعلو وجهه وقد فهم مقصود الإمام من هذه الحدود وقال له: لم يبق شيء فتحول إلى مجلسي.. فأجابه الإمام بلهجة المنتصر: لقد أعلمتك بأني إن حددتها لم تردها.
يقول الخوارزمي عن المنصور: (الذي لم يتورع عن قتل ابن أخيه، وعمه عبد الله بن علي) بل وحتى من ساعدهم في الوصول إلى الحكم ومهد لهم الطريق لذلك فقتل المنصور (أبا مسلم مؤسس دولته)، وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا (ج1ص91) ان هارون العباسي قال لإبنه المأمون: (والله لو نازعتني هذا الامر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم).
ونجد المأمون قد استثمر هذه المقولة التي تماهت تماماً مع نزعته الدموية فلم يتوّرع عن قتل أخيه الأمين، ولو كان الأمين هو المنتصر لفعل كما فعل أخوه.. هذا هو مفهوم الخلافة عند بني العباس، الوصول إلى السلطة بشتى الوسائل وحكم الناس بالقهر والجور والاستبداد وهتك الحرمات.
وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في أحدى المرات التي سجن فيها الإمام الكاظم (عليه السلام) في سجن المهدي: (إن المهدي رأى في بعض الليالي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نومه فقال له: يا محمد (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) ففزّ مرعوباً وأطلق سراح الإمام الكاظم)، لكنه لم ينقطع عن فساده في الأرض وقطع أرحامه فشدد من مراقبته على الإمام حتى هلك.
وجاء بعده موسى الهادي الذي زاد في ظلمه وإجرامه بحق العلويين ففي عصره عاش الإمام (عليه السلام) حادثة فخ الأليمة وما جرى على أهل بيته من المآسي فكان (عليه السلام) يتلوّى ألماً من وقع هذه الحادثة وعبّر عنها بقوله (عليه السلام): (لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ).
يقول السيد محمد تقي المدرّسي في كتابه التاريخ الإسلامي (ص193): (ولكي تتمكن السلطات العباسية من الحصول على المعلومات، فقد بذلت من أجل ذلك الكثير من الأموال لشراء الذمم حتى ذمم بعض العلويين).
وقد جرت أثناء سجنه (عليه السلام) محاولات دنيئة كثيرة من قبل هارون للإنتقاص من قدر الإمام، وأخرى لإخضاعه وانتزاع إعتراف منه بشرعية الخلافة العباسية، لكن كل هذه المحاولات كان مصيرها الفشل الذريع، كما حاول هارون بعد أن صار فضل الإمام وعبادته حديث الناس.
وروى اليعقوبي: أنه قيل للإمام موسى بن جعفر بعد أن مكث مدة طويلة في سجن هارون: لو كتبت إلى فلان ليكلم هارون فيك؟ فقال (عليه السلام): (حدثني أبي عن آبائه أن الله أوصى إلى داود: ما أعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني إلّا قطعت عنه أسباب السماء وأسخت الأرض من تحته).
اضافةتعليق
التعليقات