للمنبر دور كبير في قضية خلود النهضة الحسينية على مر الزمان حيث أنه احتضن ذكرها منذ حدوثها حتى يومنا الحاضر فقد كانت كربلاء ونهضة سيد الشهداء (عليه السلام) مناراً متوقداً وترتيلة يرددها الخطباء والرواديد ويتوارثونها جيلاً بعد جيل بلا كللٍ أو ملل بكلماتٍ سطرها شعراء تحركت أقلامهم حباً بالحسين (عليه السلام) وأهل بيته.
وهنا كان لـ(بشرى حياة) عدة تساؤلات حول كيفية مساهمة المنبر في خلود هذه النهضة العظيمة طُرِحت على خدام المنبر الحسيني من خطباء ورواديد وشعراء القصيدة المنبرية حيث تشاركنا معهم بخدمة سيد شباب أهل الجنة في هذه الأسطر :
كربلاء مدرسة الأجيال
تناولنا الحديث مع الخطيب الحسيني سماحة السيد بهاء الموسوي بعدة أسئلة كان أولها:
- كيف يوظف الخطيب مجلسه في ديمومة ذكر النهضة الحسينية وفي توعية الشباب في آن واحد؟
وحدثنا مجيباً بأنه لا يمكن التفريق بين ديمومة ذكر النهضة الحسينية وبين توعية الشباب فهما آن واحد وأصل واحد، فبمجرد أن يذكر الخطيب النهضة الحسينية ويركز عليها بشكل دقيق فإن الشاب يتوعى؛ وهي بالضبط كالماء للزرع فأنتَ عندما تلقي الماء على الزرع لا بنية السقي فإنه سيُسقى وسيخضر وسيرتوي وهكذا قضية النهضة الحسينية بمجرد أن تُذكر فإن الشاب سيرتوي ويتوعى.
نعم هناك ثلاثة أساسيات أو أدوات ينبغي أن يلتفت إليها الخطيب بشكل مركز في زماننا :
• الأداة الأولى: هي أن يكون منبره جامعاً للدين والدنيا، وأنا دائماً اذكر زكريا ابن آدم (رضوان الله تعالى عليه) كمصداق وهو أحد تلامذة الإمام الرضا (عليه السلام) حيث يقول عنه الإمام (عليه السلام) [ ...مأمونٌ على الدين والدنيا] فأحياناً ينجح الخطيب في تحفيز الشباب وتوعيتهم دينياً ولكنه قد لا يركز على تحفيزهم دنيوياً أي لا يطور علاقاتهم الأكاديمية والأسرية والاجتماعية وغيرها ولا يحفزهم على الاهتمام بالدراسة والتعليم حيث إن صناعة جيل حسيني متعلم هو المطلب الذي يريده الإمام الحسين (عليه السلام) في هذا الزمان.
• الأداة الثانية: ان يكون الخطيب مطلعاً على مشاكل الشباب وتحدياتهم وأدق تفاصيلهم وتفكيراتهم ليتسنى له معرفة الطريقة التي يستطيع من خلالها إيصال فكر النهضة الحسينية لهم؛ وهذا لا يتأتَّى إلا من القرب فلابد للخطيب أن يكون له مجموعة من الشباب الذين هم بمثابة أمنائه ينقلون له ما يحدث في المجتمع الشاب فربما يخفى على الآباء بعض مشاكل الأبناء فكيف لا يخفى على الخطباء ذلك، فاطلاع الخطيب على ما يحدث في المجتمع الشاب يجعله متسلطاً على فكره قادراً على الحديث بشكل واسع في جلب الحلول وهذا هو ما كان يقوم به المعصومون (عليهم السلام) عندما يبثون وكلائهم بين الناس حيث يعرفون من خلالهم ما يعانيه المجتمع مع القياس والفارق بين المعصوم والخطيب.
• الأداة الثالثة التي يحتاجها الخطيب من أجل أن يجمع بين التوعية الشبابية والنهضة الحسينية هي أن يربط القضية الحسينية بجانب حيوي في الشاب، فالشاب حيوي يحتاج إلى نشاط وتغيير وإلتفاتات تجعله يتقدم إلى الأمام في القضية الحسينية، لذلك نقول دائماً أن للخطيب مهمتان: مهمة يجذب الناس إلى القضية الحسينية، ومهمة يدفع الناس بالقضية الحسينية، أي يجلبهم بهذه القضية ويجعلهم يسيرون بها.
والسؤال الثاني الذي تم طرحه على سماحة السيد (دامت تأييداته) هو:
كيف يواجه الخطباء من خلال المنبر الأفكار السلبية التي تهدف إلى محو ذكر النهضة الحسينية؟
فتفضل قائلاً: أفضل ميدان لمواجهة الأفكار السلبية التي تهدف إلى محو ذكر النهضة الحسينية هو طرح النماذج الحسينية الرشيدة والواعية والسديدة في داخل المجتمع، فأحياناً على الخطباء أن يطرحوا ويبرزوا النماذج الحسينية الذين صنعتهم المجالس والمنابر والقضية الحسينية سواء شعراء أو أطباء أو علماء أو تجار ... إلخ من مختلف المستويات، وتُتاح هذه الفرصة للخطيب كثيراً إذا حاججه المقابل بالنموذج فعليه أن يجيب بالنموذج وهذه تسمى بـ(النمذجة) هذه النقطة الأولى، أما النقطة الثانية هي (المنهجة) وهي عندما يطرح المقابل منهجية معينة لبناء المجتمع (منهجية علمانية ، ليبرالية ، إلحادية ... الخ) على الخطيب أن يجيب بطرح منهجية الإمام الحسين (عليه السلام) في بناء المجتمع، ولو سئل سائل ماهي منهجية الحسين (عليه السلام) في بناء المجتمع؟ الجواب مباشرة هي رسالة الحقوق التي وضعها الإمام زين العابدين (عليه السلام) للمجتمع، وهذه واحدة من الأسرار المهمة التي ينبغي الالتفات لها.
فلو تسائلنا لماذا جاءت رسالة الحقوق في زمن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وليس في زمن باقي الأئمة؟
والسبب هو لأن الإمام السجاد (عليه السلام) هو الإمام الأول بعد فاجعة كربلاء، وكأنه أراد أن يوضح للعالم وللذين قتلوا الإمام الحسين والذين خذلوه بأنهم قتلوا وخذلوا شخصاً هذا هو منهجه.
والسؤال الأخير لسماحته: المنبر الحسيني عامل مهم من عوامل استمرارية ذكر النهضة الحسينية فعلى من تقع المسؤولية الأكبر؟ على الخطيب أم على الرادود؟
فأجاب سماحته بأن المسؤولية في إدامة المنبر الحسيني بشكله الواعي والناضج والمؤثر تقع على ثلاثة أصناف:
• الصنف الأول هو المجتمع الحسيني، يعني الهيئات والمواكب ، إذ عليها أن تختار الخطباء العلماء المتصلين بالحوزة العلمية والمعروفين بالطرح ومأموني الفكر (ولايهمهم المشهور من غيره فمن المفترض عدم الاهتمام كثيراً بذلك).
• والصنف الثاني هو مسؤولية الخطباء، فعليهم أن يشذبوا أفكارهم ويدققوا بأطاريحهم ويبذلون جهداً في اكتساب المعلومة الجيدة وإيصالها قدر الإمكان، وبنفس الوقت يلزمهم أن يدرسوا مزيداً من الدراسة في القضية الحسينية ويأتوا بأفكار جديدة في طرحهم لهذه القضية.
• والصنف الثالث هو مسؤولية الرادود، ولكنها أقل من مسؤولية الخطيب، فالرادود بشكل عام يعتمد على الشاعر الكاتب للقصيدة ، والرادود إذا اهتم بآراء الحوزة العلمية وراجع الخطباء واستشارهم سيبدع ويرتفع ، ولذلك المسؤولية متكافئة ومتكافلة ومتعاضدة بين هذه الأصناف الثلاثة.
المنبر هو الممثل الشرعي عن واقعة الطف
انتقلنا بعد الختام مع سماحته (دام توفيقه) للشعراء الحسينين طارحين بعض الأسئلة، حيث تحدثنا إلى الشاعر الحسيني كرار حسين الكربلائي والشاعر الحسيني حمزة السماوي:
فكان السؤال الأول الذي طُرِح على خادم الحسين (عليه السلام) كرار حسين الكربلائي ماهو واجب الشعراء في تخليد النهضة الحسينية عن طريق المنبر؟
فتحدث قائلاً: كان ولايزال وسيبقى صوت المنبر هو الممثل الشرعي عن واقعة الطف وعلاقة الشعراء بالمنبر علاقة تاريخية تأسيسية ومقتضى الإجابة عن السؤال آنف الذكر تتطلب من الشاعر الالتزام بما يأتي:-
١- اعتماد القرآن الكريم وسيرة آل البيت الاطهار ومنهجية العلماء الأعلام والمصادر التاريخية الموثوقة في النصوص الشعرية .
٢- السير على طريقة الرعيل الأول من الشعراء الحسينين الذين قدموا نصوصاً متزنة وموضوعية أمثال كاظم المنظور ومهدي الأموي وعبود غفلة ومعين السباك وعبد الأمير الفتلاوي وآخرين...
٣- اخضاع الخيال ولسان الحال إلى الواقع الحقيقي بعيداً عن التوهين وبعيداً عن استدرار العواطف على حساب الحقيقة .
٤- عرض النصوص على الشعراء الكبار المعروفين بالالتزام والورع والثقافة العالية .
هذه المحددات ستنتج نصاً حسينياً يخلد كخلود (يحسين بضمائرنه.. واحنه غير حسين ماعدنه وسيلة .. وزينب ياغريبة الله شمصيبه).
وطُرِحَ سؤال آخر شارك في إجابته الكبير شعراً خادم الحسين (عليه السلام) حمزة السماوي بالإضافة إلى جواب الشاعر كرار حسين الكربلائي هو:
ماذا على الشاعر أن يُعِد من مواضيع وأفكار ليساهم في استمرارية ذكر النهضة الحسينية وإقامة الشعائر؟
فقال الحسيني كرار حسين الكربلائي: لا نتحدث عن الموضوعات لأنها واحدة سابقاً ولاحقاً... ولكن المهم أو الأهم هي طريقة طرح الموضوعات بالشكل الذي يجمع بين (الأصالة والتجديد) وهذا يستدعي أن ندرس شخصية الشاعر من كافة النواحي لنحصل على شاعر متمكن من أدواته ويستطيع طرح قضايا أهل البيت (عليهم السلام) بشكل لا يمس قداسة القضية.
وقال الحسيني حمزة السماوي: على الشاعر أن يعيش الماضي في الحاضر ويعيش الحاضر في الماضي، أوجه التشابه كثيرة والخطوط متوازية فنهضة الحسين (عليه السلام) لم تكن ساعات بل كانت دهور إلى يوم يبعثون وما زال الحسين في حالة النهوض ولم يسقط على الأرض ولن يسقط وما زال زين البكائين (عليه السلام) يبكي على الحسين فعيونهُ كل عزاء وكل شعيرة.
كربلاء صور ولوحات من التضحية والفداء
بعد الانتهاء من الحديث الحسيني مع خدام القصيدة الحسينية المنبرية تحدثنا إلى الرادود الحسيني قحطان البديري وأيضاً طرحنا بعض التساؤلات حول مساهمات الرواديد في قضية خلود هذه النهضة المقدسة.
فكان السؤال الأول لحضرته هو: كيف يمكن للرادود أن يساهم في تخليد قضية النهضة الحسينية؟
فقال: قضية كربلاء ونهضة كربلاء خلدها الزمان على مر العصور ولازالت شعلتها متوهجة في الضمائر والقلوب وعلى ألسن المحبين والشواهد كثيرة على ذلك ..
فالرادود همزة وصل بين الطف والناس، فقد استطاع الشاعر والرادود أن يساهموا مساهمة فعّالة في تذكير الناس بالواقعة والمطالبة بمظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ونصرتهم واستمر منذ أن قال الامام زين العابدين (عليه السلام) لبِشر بن حذلم رحم الله أباك كان شاعراً إذهب وانعى الحسين (عليه السلام)... ، لذلك علينا في كل مناسبة تخص كربلاء أن نكثّف الجهود على هذه النهضة وأن نُذَكِّر الجميع بأن يجعلوا من كربلاء ميزاناً لهم في مقارعة الظلم ورفض الذل والمطالبة بحقوق المظلوم وأخذ العِبر من تربيةٍ وأخلاق وحفظ دروس التضحية والفداء عسى ولعل أن نلتحق بركب أنصار سيد الشهداء (عليه السلام).
وتناولنا طرح سؤال آخر هو: المسؤولية الأكبر في خلود النهضة الحسينية عن طريق القصيدة المنبرية تقع على عاتق الشاعر الكاتب للقصيدة أم على الرادود القارئ لها؟
فأجاب قائلاً: بأن خلود كربلاء من الثوابت، وهنالك عامل مشترك بين الشاعر والرادود، فالشاعر كلمة وصوت الكلمة الرادود ، كلاهما يكمل الآخر ويصل إلى قلوب المحبين من خلال الشعر والصوت، لذلك الشاعر والرادود استطاعوا أن يخلقوا حالة عند المحبين وهي أنهم عشقوا الشعر والردّة، وكيف لا وهي مكتوبة لمحمد وآل محمد صلوات ربي عليهم كلاهما له دور مميز وفعال في تذكير الناس بنهضة الحسين وفاجعته الأليمة.
والسؤال الأخير الذي ختمنا به هذا التحقيق الحسيني مع الملا قحطان البديري وبقية خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) هو: يعد التنويع في ما يقدمه خدام المنبر الحسيني ذو أهمية كبيرة في استمرارية ذكر النهضة الحسينية بصورة أكبر فكيف يمكن للرادود ذلك؟
فقال ختاماً: التنويع لم يأتِ من فراغ إنما وجدنا كربلاء في صور ولوحات من التضحية والفداء وأدوار وأحداث لو كتبنا عنها مجلدات والآف القصائد لا نستطيع ادراكها والوصول إليها، كربلاء وماجرى في كربلاء كلما تجدد ذكره وجدناه متجدداً من خلال ما قدمه سيد الشهداء وأهل بيته وأصاحبه، لذلك استطاع الشاعر والرادود أن يبحروا في لوحات كثيرة وقد اجادوا في ذلك، ففي شعر كربلاء نجد الرمزية والواقع والخيال والوجدان والعاطفة والدموع والتضحية والفداء والدماء والموقف ووو ... الخ كل هذا في شعر الشعراء وجدناه، وقد ساهم مساهمة فعّالة في أن يتأثر الجمهور بشعر كربلاء وصوت كربلاء وكل كربلاء.
اضافةتعليق
التعليقات