نفتتح كل سنة هجرية بشهر حرام، ألا وهو شهر محرم، شهر العزاء والحزن لآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، مقيمين فيه مراسيم خاصة وشعائر حسينية تعبر عن كم الحزن الذي يعتري القلوب والأنفس لما حل بابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لذا كان لـ(بشرى حياة) جولة في بعض دول العالم لاستطلاع الأجواء العاشورائية والمراسيم التي تقيمها الدول حزناً و مواساةً لآل الرسول صلوات الله عليهم طارحةً على الجميع السؤال التالي:
ماهي المراسيم التي تقيمونها في دولتكم مواساة لآل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم في شهر محرم الحرام؟
إبتدأنا مع الأخ أحمد عباس من العراق حيث حدثنا قائلاً:
بالنسبة لشهر محرم الحرام في دولة العراق هناك مراسيم وشعائر عديدة:
في ليلة الواحد من الشهر المفجع تتوجه الأنظار وأغلب المسلمين إلى كربلاء المقدسة حيث إقامة مراسيم تبديل راية الحزن من اللون الأحمر إلى الأسود لتتوشح الأرض بالفاجعة الكبرى لآل النبي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبعدها تبدأ مجالس اللطم طيلة شهري محرم وصفر، وهناك من يجهز مواكب الزنجيل في الليالي العشرة الأولى إلى أن نصل لمصباح يوم العاشر من المحرم بعد صلاة الصبح نقرأ زيارة عاشوراء ومن بعدها تتعالى أصوات الأبواق لتبدأ شعيرة التطبير ومن ثم يتجه الموالون إلى منطقة ما بين الحرمين الشريفين للاستماع إلى المقتل الحزين بصوت المرحوم عبد الزهرة الكعبي (رَحِمَهُ الله) حيث يجعلنا نعيش المأساة ونستشعر ألم ما جرى في واقعة الطف ومن بعدها تستعد الناس لأداء شعيرة ركضة طويريج والتي تكون من جسر باب طويريج إلى العتبتين المقدستين وفيها المعزين يهرولون وهم يضربون رؤوسهم مرة وصدورهم مرة أخرى مواساةً للسيدة زينب (عليها السلام)، وفي ليلة الحادي عشر يبدأ السكون في كل الأرجاء حيث توقد الشموع في كل مكان ومن بعدها تبدأ مواكب الخدمة الحسينية من البصرة وشمال العراق إلى كربلاء المقدسة لتكون رحلة المشي على الأقدام والتي تكون مدتها ما يقارب سبعة عشر يوماً لإحياء ليالي الأربعين الخالد.
واختتم حديثه بالدعاء قائلاً : نسأل الله تعالى أن يجعلنا دائما من الذين يحيون هذه الشعائر مواساة لمحمد وآل محمد عليهم السلام وأن يثبت لنا قدم صدق مع الحسين (عليه السلام) ويرزقنا شفاعته يوم الورود.
انتقلنا بعدها إلى الأخت حوراء من السعودية / الإحساء تحديداً إذ تحدثت عن مأساة الشيعة هناك فقالت:
الشعائر في دولتنا أشبه بالمعدومة إذ أن مجالسنا قليلة جداً ووقتها قصير نصف ساعة أو ساعة واحدة بالكثير ولا نستطيع اقامة الشعائر على مدار السنة ، أما في شهر محرم الحرام فقط الثلاث عشر ليلة الأولى منه وبعدها تغلق جميع الحسينيات.
فسألناها لو أقمتم الشعائر بشكل علني أكثر ورفعتم رايات الحداد لسيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته وأقمتم مجالسكم في الشوارع على مرأى من الجميع ماذا سيحدث؟
فقالت: هذا الشيء مستحيل ولا نستطيع فعله لأن من يفعل ذلك مصيره السجن والتعذيب، وقالت منذ طفولتي وإلى الآن لم أرَ أي مجلس أقيم في الساحات وبشكل علني.
شاركتنا بعدها الأخت فاطمة قشمر من لبنان إذ قالت:
في العادة يقوم اللبنانيون بعمل مسيرات ومجالس عزاء وولائم طعام على حب الإمام الحسين (عليه السلام)، أما في زمن انتشار جائحة كورونا لم نتمكن من عمل هذه التجمعات خوفاً من انتشار الفايروس وانتقال العدوى للذين يحيون المجالس؛ ولكن في السنة الماضية تمكنا من إقامة مجالس العزاء ولكن مع الالتزام بالضوابط الصحية والإجراءات الوقائية.
تحدثت بعدها الأخت نجاة الحوَّاج من البحرين وقالت:
على المستوى العام فإن المآتم والحسينيات تعلق السواد في داخلها وخارجها أيضاً مع الرايات المشتملة على العبارات التي لها علاقة بواقعة الطف والشوارع تتوشح بالسواد وبعض البيوت كذلك وبين الطرق وأيضاً نعلق الرايات التي تحتوي على أقوال المعصومين (عليهم السلام) عن واقعة كربلاء أو أقوال العلماء بحيث يكون الجو العام يعبر عن الحزن والأسى لهذا المصاب الجلل، وأما المطاعم والمخابز ومصانع مياه الشرب والعصائر والألبان تبدأ بعمل العروض الخاصة للمآتم وأصحاب المجالس الحسينية حيث تكون لها أسعار خاصة تختلف عن الأيام العادية وذلك حباً ومودة لأبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ومن ذهب معه من الشهداء من أهل بيته وأنصاره.
وقالت: نحن بفضل الله أكثر دولة في الخليج تتنعم بالتوفيق لإحياء مراسيم عاشوراء والقراءة في البيوت والعزاء داخل وخارج الحسينيات أيضاً بموافقة إدارة الأوقاف الجعفرية التي تعتبر جزء تحت أمر الحكومة.
وقالت: أما على المستوى الشخصي فإن الأسر بكل أفرادها تستعد لشراء الملابس السوداء التي تعبر عن جزء من حالة الحزن العام على أكبر مصاب على وجه الأرض حيث تتهيأ النفوس لحضور المجالس الحسينية والسعي للخدمة بشتى أنواعها وتشجيع الأطفال والشباب على المشاركة في كل ما يخدم القضية الحسينية بما فيها التمثيل وإلقاء الدروس حسب المستوى العقلي للفئات من أطفال وشباب وكبار حتى يتمكن الجميع من الإحساس بهذا المصاب والتعايش معه ليس عاطفياً فقط وإنما للتعرف على قيم هذه الثورة العظيمة التي لولاها لما كان للدين بقاء، فهو محمدي الوجود حسيني البقاء.
ومن بعدها تفضلت الأخت دانية لؤي من تركيا بالحديث قائلة:
لَم تَكُن قَضيَّةُ الامامِ الحُسين "عليه السلام" ذاتَ منحىٰ دِينيٍ وحَسب إنَّما تَحمِل بَينَ طَيَّاتِها طابعٌ إنسانيٌ أخلاقي، رسالَتهُ دفعُ الظلمِ و العِدوان و رفعِ إسمِ اللّٰه و رايةِ الحَق ؛ ليسَ في البلادِ العربية فقط بل في كُلِّ مَكان وداخِل كُلِّ إنسان يَحمِلُ في قلبهِ فطرةَ الحُبّ.. "كلُّ أرضٍ كَربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء".
وهكذا هُمُ الأتراك بصورةٍ عامّة تَظهرُ علىٰ تعابيرِهم ملامحُ الحُزنِ والفَقد فيقف الجميع ليُحيي هذه المراسيم بتوزيع حلوى أطلقوا عليها مُسمّى (آشورة) مُقتبسًا من تلكَ الواقِعة وهي شيء يشبه الهريسة يَضَعون فيها مُختَلَفِ المُكسرات ويقومونَ بِتوزِيعها بينَ الجيران طيلة أيام عاشوراء، كما يقف رئيسُ الدولةِ في ذلكَ اليوم ليَخطب مع البث على شاشَةِ التلفاز ويتكلم عن الواقعة وكيفَ ضحّىٰ الامام الحسين بِنَفسه وأصحابه في سبيلِ الإصلاح وكيف قُتلَ شَهيداً، أما الشيعةُ و العلويين بصورةٍ خاصّة فَهُم يُربّون أنفُسهم و أطفالَهم على حُبِّ آلِ البَيت في قُلوبِهم جاعلينَ منهم أسوة في حياتهم وإحياءهم لتلكَ المراسيم يختَلف عن باقي الشَعب.. حيثُ تُقام سنوياً مراسيم ضخمة في مدينةِ إسطنبول، منطقة الزَينبية في حي (هالكالي) حيث يأتي الأتراك من جميعِ أنحاءِ تُركيا قاصدين هذا المَكان لإحياءِ عاشوراء وذِكر كربلاء وواقعةِ الطف بالبُكاءِ والحُزن واللطم فيعلنون العزاء ويَتوشحون بالسواد حاملين رايات وأعلام تُرَفرِف باسمِ الحَق خُطَّ عليها يا حُسين ويا أبا عبدالله وحاملينَ صوراً رمزية للإمامِ الحُسين وأخرىٰ تُجَسد تلكَ الواقعة.. فتختَلط حرارةُ قُلوبِهم بالدموعِ بينَ شَوقٍ للتوافد في البُقعةِ المُبارَكة (كَربلاء) و الجَزَعٍ مُستَذكرين مَصاب أهل البيت عليهم السلام، بعدها تَنطَلقُ المَواكبُ وتَعلو القصائد الحُسينية في المَكان فَيهتِف المُعزّين بأعلىٰ أصواتهم يا حُسَين وهَيهات مِنّا الذلة.. وتُقام التشابيه لجَعل الحقيقة الأليمة التي وَقَعَت سنة ٦١ للهِجرة مثالاً خالدًا يُعاد في أذهان وقُلوبِ مُحبيهم وشِيعَتِهم. ويأخذُ مَوكِب السبايا مَكانه من تلكَ المراسيم ليضجِ الجَميعُ ويَعجُّ بالبُكاءِ على سيدة المخدرات أُمُ المَصائِبِ زينب "عليها السلام" .
وأمّا نحنُ الغُرَباء فقَد فَصلتنا عن كربلاء مَسافات، فدارٌ بلا حُسين كالأرضُ بلا ماء.. خاليةٌ بمن فيها، مُظلمةٌ جدًا، تشبهُ مقبرةً مَهجورة وها نَحنُ نُحاولُ الوصول بأرواحِنا عَلّنا نُدرَك.
أما الأخت زينب علي من إيران/ قم المقدسة تحديداً قالت:
لم تقتصر القضية الحسينية على بقعة محددة من الأرض أو فترة معينة من الزمن، بل كانت قضية الإنسانية في كل العصور.
إن اتخاذ الامام الحسين (عليه السلام) قرار تحدي الطاغوت والقيام بثورة ضد جبروته أعاد للإنسان كرامته المهدورة فأصبحت ثورته علامة مضيئة في التاريخ ونقطة انطلاق للكثير من الثورات ضد الظلم والطغيان، ومنذ ذلك اليوم بدأت الشعائر الحسينية التي لم تقتصر على العراق وكربلاء التي جرت على أرضها هذه الملحمة الخالدة بل تعدّتها إلى الكثير من البلدان العربية والإسلامية لأهمية ذلك اليوم في التاريخ الإسلامي فإضافة إلى العراق ولبنان والبحرين ودول الخليج الأخرى أقيمت الشعائر في البلاد الإسلامية الأخرى ومنها إيران حيث بدأت الشعائر الحسينية في إيران منذ زمن طويل فعند قرب شهري محرم وصفر یبدأ الایرانیون بتوشيح الشوارع والمنازل والمساجد والحسینیات بالسواد وتقام مجالس العزاء فیها غیر مواکب الزنجیل واللطم وطرق عدیدة وأشكال مختلفة تأتي في الیوم العاشر من محرم الحرام إلی المقامات المقدسة خاصة الامام الرضا (عليه السلام) والسیدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) حيث يقومون باستعراض لمواکب العزاء، ویكون أکثر تجمع الناس في الیوم التاسع والعاشر في المقامات المقدسة حيث يتوافد المعزون حتی من المحافظات الأخری البعیدة لأهمية هذه الفاجعة الأليمة ويقومون بتوزیع الثواب في المجالس ويرفعون الرایات السوداء على أسطح المنازل والشوارع ويلبسون السواد مع أن الایرانیین یكرهون لبس السواد علی أمواتهم لكن الإمام الحسین لدیهم غیر ذلك.
اضافةتعليق
التعليقات