مَن مِن الناس لا يرغب في الوصول إلى الاطمئنان النفسي، والاستقرار في علاقته مع الخالق والخلق؟ بلا شك هي غاية يسعى لتحقيقها الجميع، ولكن هناك صنف من الناس هو يصل لذلك، لكن لا ينتفع منه، بل يتخذه حجابا لا يسمح للنور أن ينفذ إلى حياته فيبقى قابعا في الظلام، ويعيش وفق رؤية غير واضحة لكل ما حوله.
شاهد قرآني
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(الحج:١١)، هذا الصنف هو من أهل الإيمان لكن المستودع، ومن أهل الاطمئنان لكن الموهوم!.
والنتيجة -كما عبرت الآية- إنه من أهل الخسران المبين وليس فقط الخسران، لأنه وصل للإيمان وهو من أهل العبادة، لكن لم يصل لمرحلة استثمار ذلك ببلوغ الاستقامة والاطمئنان في علاقته بربه، فلا هو يعيش في دنياه حميد، ولا هو في الآخرة سعيد؟!
بالمقابل، قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (الحج:١٤)، تعالى وضع هذا الصنف في قبال ذلك الصنف فهو قد حقق الإيمان المستقر، لذا أثمر واستخرج منه أعمالاً صالحة، فهو ممن دنياه طيبة، وفي أخراه سيرث الجنة.
شواهد الخسران على أثر الاطمئنان الموهوم في العلاقات الإجتماعية
إن الإنسان الذي لا يرتب أثراً إيجابيا من علاقته بمعبوده، ومن لا يُحسن الأدب في تعامله مع الخالق، لا يُنتظر منه أن يُراعي ويُحسن التعامل والأدب مع الخَلق؟! بل كل ما يصدر منا تجاه الناس هو إنعكاس لحقيقة علاقتنا مع رب الناس.
لذا ترى مثلاً بعض الأبناء يطمئنون أن الأم لا يُمكن أن تَسخط عليهم مهما فعلوا، فيقعون في فخ الاطمئنان الموهوم فيَعقوها، يتعدون في سلوكهم معها، لا يبرونها! هنا الخسران في أنهم قد يوصلون أمهم إلى أن تفقد احترامها لنفسها كأم وإن تظاهرت بلا مبالات؛ فهي قطعاً لن تكون سعيدة من الداخل أبداً، أو راضية.
أو تراهم يطمئنون لوجود الأب وكونه المنفق عليهم، فيدخلون بفخ عدم المسؤولية بالإسراف والتبذير، وما أن يمر بضائقة مادية تراهم لا يبالون بل وقد يبدؤون يتذمرون ويلقون اللوم عليه! هنا الخسران أنهم يوصلون أباهم للشعور بعدم الفخر بنفسه، بكده الذي بذله طوال حياته من أجل توفير حياة كريمة لهم.
وفي العلاقات الزوجية ترى بعض الأزواج أن اطمئنانه لوفاء زوجته، لخلو قلبها من سواه، يبدأ يمد عينه من هنا وهناك، هنا قد يخسر وفاء الزوجة له إن لم تكن الزوجة على درجة من التقوى، أو تهدم حياتهما بحصول الانفصال.
وترى بعض الزوجات إن اطمأنت لوجود زوج يكرمها، يحترمها، يظهر لها مودته، هي تبدأ بالتنغيص عليه وإهماله؛ هنا الخسران قد يحصل بتغير سلوكه معها، وقد لا ترى منه بعدها إلا الغلظة والقسوة.
وفي علاقات العمل ترى البعض يهمل المتقن الحريص، لا يقدر جهوده لأنه مطمئن لعدم تقصيره فيما اوكل إليه، وهذا ينتج وإن طال الزمن -لا نقول: إنه يترك اتقانه- لكن قد يترك تلك الجهة لأنه فقد الشعور بوجود الاحترام المتبادل؛ فتخسر تلك الجهة كفوء متقن مثله.
لذا فمشكلة وخطورة الاطمئنان الموهوم أنه يجعل صاحبه يقيس الأمور بموازين مقلوبة في تعامله وادارته لعلاقاته، فعلى المستوى الشخصي قد يسبب هدم تلك العلاقات، كما وقد يفقده وجود النفوس الطيبة المحسنة من حوله.
أما على المستوى العام قد يكون سببا في أن يفقد أهل الإحسان شيئا من روح الإحسان الذي يعاملونه به، فهذا السلوك يجعل منهم أشبه بالبئر المعطل الذي فيه ماءً لكن حَجر الإهمال وعدم الاحترام والتقدير الذي رُمي فيه جعل ما فيه من ماء مخزون لا يتمكن هو أو أحد غيره أن يستخرجه وينتفع منه بعد ذلك.
اضافةتعليق
التعليقات