إن الأرض لا تَفسد بالإهمال وعدم العناية بها فقط، بل قد تفسدها نوعية ما يُغرس فيها من بذور، فالأرض الطيبة إن غرست فيها بذور الشجر الخبيث ستثمر الخبث، ولن تعود طيبة!
وهكذا القلب كما إن فيه بذور الخير، الطيب، الصلاح، فيه نقائضها، فإن لم يرعَ الإنسان غرسه الطيب وبذور الخير ستنمو وتكبر بذور الشر والفساد، فيمرض القلب ويخبث ويصعب على صاحبه استصلاحه فيما بعد، ومن هذه البذور هي (الحقد) فإن بُذِر وغُرِس ونما في القلب أفسد القالب.
فالحقد هو شعور باطني، ينعكس على سلوك الإنسان، يُتعبه، فعن إمامنا العسكري (عليه السلام): [أقل الناس راحة الحقود](١)، كما وإنه لا يوصله لقرار واعي تجاه المواقف أو يعطيه ثمرة طيبة لأنه نابع من أفكار وتخيلات سلبية، مما يوجد حاجبا يحجب فسحة النور التي تريه المواقف بوجهها المحتمل الآخر.
كما وإن معرفة خطر المرض يوجب التحصن والوقاية منه، فالحقد من أخطر الأمراض القلبية إذ إن[الحقد من طبائع الأشرار](١)، بينما المؤمن طبعه أن شره مأمون لا يقابل الحقد بالحقد لأن [المؤمن ليس بحقود](٣)، والمجتمع السليم يبنى بالوجود الإنساني الإيماني، ذو القلب السليم.
لذا فمن سُبل قلع بذور الحقد من القلب، هي ما ورد عن امامنا الهادي(عليه السلام) إنه قال: [العتاب خير من الحقد](١)، فالعتاب هو باب لكسر هذا التفكير والوصول إلى سلوك قويم، إذ إن الناس صنفان في التعامل مع المواقف التي تقابلها:
الصنف الأول يقوم مباشرة بإصدار الحكم السلبي تجاه أي موقف يمر به، كما ويُحدث في داخله معركة وصراع بينه وبين ذلك الطرف، يعاتبه، يوبخه، هنا لن يصل للحقيقة، وإنما يُنمي في قلبه بذور مرض الحقد، حتى تكبر وتصبح لها ثمار لكنها ثمار (أفعال) ليست طيبة تفسد وتدمر تلك العلاقات.
اما الصنف الاخر هو ممن يتريث، يقف على أعتاب دار ذلك الطرف، ليطرق باب قلبه، يستفهم، ويستعلم عن حقيقة المقصد، وهذا الفعل يدل أن هذا الصنف يملك وعياً في انتقاء علاقاته، ونضجاً في كيفية إدارتها لتُبنى على أساس (سليم) مبني على المودة، (قوي) لا ينكسر بسهولة.
كذلك ما ورد عن أمير الكلام (عليه السلام) بقوله: [إحصد الشر من صدر غيرك بقلعة من صدرك](٢)، هنا الإمام(عليه السلام) يدعو إلى أن يترقى الإنسان من تطهير النفس إلى تطهير نفوس الآخرين من وجود الحقد، أي على الإنسان أن لا يتفاعل مع الشر لأنه بذلك سيوسع دائرة انتشاره، بل يقابله بالإحسان وحسن الظن ليكون بذلك قد غرس الخير، وقلع الشر من نفوس الغير.
فبناء المجتمع الذي تربطه علائق المودة والصفاء والتي تجعله كالبستان (ما يزرعه أحدهم من خير يُزهر، يُجَمل، يَنشر الطيب على كل ما حوله) يتطلب أن يكون هدفا لكل فرد، وذلك بسعيه الصادق لحفظ قلبه من الأمراض المعنوية؛ ليصبح وجوده فعالاً، فيؤدي مسؤوليته الإجتماعية بالشكل المرجو.
-----
اضافةتعليق
التعليقات