نقرأ في زيارة امين الله هذه الفقرات: [حَتّى دَعاكَ اللهُ اِلى جِوارِهِ؛ فَقَبَضَكَ اِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ، وَاَلْزَمَ اَعْدآئَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ].
إذ نلاحظ إشارة توصلنا لعلة تربوية لرحيل الأمير(عليه السلام) بعد أن فعل أشقى الأشقياء إبن ملجم فعلته، إذ نلاحظ فقرة [حَتّى دَعاكَ اللهُ اِلى جِوارِهِ]، فذكر إن الرحيل رحيل دعوة وطلب؟ وفقرة [فَقَبَضَكَ اِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ]، مع إن كل من يرحل هو بأمر الله تعالى وإختياره، فالأمر من المسلمات، فلمَ ركزت الزيارة على ذكر هذا المعنى؟!
لعل المراد هو الإشارة الى إن الرحيل كان إختياري بمعنى أن قبض روح الامام (عليه السلام) كانت لحكمة وعلة، وهذا المقصد يمكن أن نستلهمه مع ما يوافق العبارات التالية التي ذكرتها الزيارة وهي مسألة الزام الحجة.
فمع ما للإمام من حجج بالغة في حياته التي يشهد له بها المألف والمخالف (ومن ثم ينكرها!!)، كذلك في إستشهاده حجج بالغة لأعدائه، وإحدى تلك الحجج إن الإعلام المضلل في ذلك الزمن كان قد رسم صورة غير حقيقية للإمام عند الناس ليبعدوهم عنه؛ فكما يُنقل [حين وصل خبر استشهاد الإمام علي(عليه السلام) في مسجد الكوفة إلى مسامع أهل الشام أحدث صدمة لديهم فسألوا: وهل كان عليّ يصلي؟!!]، وهذه مرحلة خطيرة من مراحل التضليل كان قد وصل اليها المجتمع الاسلامي في التعامل مع وصي النبي (صل الله عليه واله)، وإستشهاد الامير كان موجب لإحداث يقظة فيه.
وكما يبدو أن الإمام (عليه السلام) في تلك الإصابة التي تعرض لها وبقائه لثلاث أيام - كأنه - كان بالإمكان أن يشفى من جرحه، ولكن الأمة وصلت الى مرحلة من الكفران، وعدم تحقق إستشعار عظم ما ستفقد، وعدم شكر وإدراك نعمة وجود الامام المعصوم الذي كان نفس النبي، وباب مدينة علمه بينهم ظاهراً هادياً مرشداً!! أوجب تقديم خيار قبضه على بقائه، فالنعم التي لا تشكر ترفع.
فالولاية هي أعلى مصاديق النعمة، فجحودها موجبة لرفعها على مستوى رفع النفع النسبي (أي ترفع عمن لا يقر بها، ولا يشكر وجودها) وإلا فهي لا ترفع بالكلية كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: [لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهر مشهوراً، وإمّا خائفاً مغموراً](١).
إذ إن وجود الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) كان امتداد للإمام في الأرض من بعد رحيله، ولكن هما لقيا نفس الجحود، وهكذا بقي الأئمة من ولد الإمام الحسين(عليه السلام).
وعلى أثر ما تعرض له الأئمة من جحود لنعمة وجودهم، أذى وقتل أدى إلى رفع نعمة ووجود إمام زماننا الخاتم للأئمة (عجل الله تعالى فرجه) ظاهرا بشخصه بيننا.
فإن من أهم أسباب غيبة إمامنا(عج) عنا هو عدم إدراكنا لهذا المعنى، وعدم تحقيق الايمان والطاعة التامة له من قبل المجتمع الإيماني كإمام مجعول من قبل الله تعالى، فمتى ما وصلنا لهذه المرحلة سنكون بذلك قد حققنا إلزام الحجة كما ينبغي، وسيتحقق الظهور الكامل للإمامة لتقام دولة العدل الإلهية التي أُعلن عنها منذ يوم الغدير، وهي إلى الآن لم ترى النور، وذلك الوعد لم يتحقق بالظهور.
------
اضافةتعليق
التعليقات