قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (الزمر: 27)، فكما تبين هذه الآية الكريمة أن كتاب الله فيه عن كل شيء مثل، فلو بحثنا عن مثل شبهت به رحلة الإنسان في هذه الحياة الدنيا نجد ذلك في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} (الأعراف:187)، فكلمة (مرساها) توحي إلى أن حياة الانسان في هذه الدنيا كرحلة في سفينة لها نقطة انطلاق وبداية وسترسو في نهاية المطاف إلى مستقرها حيث النجاة أو الهلاك.
ولكن في بحر هذه الدنيا ووسط أمواجها المتلاطمة هناك سفن كثيرة، وعلى الانسان أن يُحسن الإختيار، فهناك سفن إلهية كما هي سفينة نبي الله نوح (عليه السلام) التي أمر الله تعالى نبيه بأن يطلب من قومه في ذلك الزمن بركوبها بقوله: {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (هود:41).
وفي كل زمن هناك سفينة الهية منجية تقابل تلك السفينة التي من ركبها هلك، وفي زمن خاتم الأنبياء بَيّن رسول الله (صلى الله عليه واله) تلك السفينة، والتي شبهها بسفينة نوح (عليه السلام) إذ قال (صلى الله عليه وآله): "إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها هلك،.."(١)، وهذا تبيين عام صدر من النبي الخاتم.
ولكن هناك تخصيص ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إذ قال: "كلنا سفن النجاة، ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع"(٢)، فلسفينة خامس أصحاب الكساء خصوصية، فلو ضاقت كل السفن فإن لكَ أيها الانسان مكان فيها، ومجال ومتسع يحتويك ويحميك من الغرق، بل ويوصلك إلى بر الأمان.
ولو شبهنا الدنيا ووجود الانسان فيها بالبحر الذي إذا ما دخله الانسان لن ينجو من الغرق فيه لعمق مائه واضطراب أمواجه يقينا يحتاج إلى مركب يركبه ليحميه، ومن هذا المثال فإننا يمكن أن نطبق ما جاء في حق سيد الشهداء (عليه السلام) ما قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فيه: "إنّ الحسين مصباحُ الهُدى وسفينة النجاة".(٣)
فلو رجعنا لنفس المثال السابق، وتخيلنا أن السفينة موجودة والراكب موجود ولكن مصدر النور غير موجود يقيناً لا يمكن للسفينة أن تتحرك لترى وجهتها المطلوبة، هذا من جانب، ومن جانب آخر إن من انعكاسات النور هذا هو الحرارة، فلولا الحرارة لجمد الماء وما تمكنت السفينة من الحركة وتعذرت الحياة؛ كذلك في الجنبة المعنوية كان هذا المعنى حاصل ومرتبط بسيد الشهداء(عليه السلام) بما قيل، أي تلك الحرارة التي تنعكس في قلب المحب والمرتبط بسيد الشهداء تذيب كل شائبة تعكر صفو وسلامة قلبه، كما أن حرارة ضوء الشمس تطهر الأشياء وبالتالي تصبح مرآة قلبه صافية ترى الحق بوضوح.
وهذا ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) إذ قال: "والله يا أبا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار،..."(٤).
فالحسين (عليه السلام) كما هو سفينة لننجو بها من الفكر السقيم، هو مصباح لنهتدي به، فوجود المصباح ملازم لوجود السفينة لتصل إلى بر الأمان، أي لنبصر وتنفتح بصيرتنا فنرى بذلك وجهتنا، فالدنيا مهما كثرت فيها أمواج الفتن والابتلاءات والشبهات فوجود الامام الحسين (عليه السلام) والارتباط به فسحة أمل للنجاة وللحياة لا تزول ولا تنحجب.
وكما يحتاج الانسان إلى سفينة يركبها، وإلى مصباح ليبصر به، يحتاج إلى "شراع" وهذا الشراع هو "المودة" و"الموالاة" الحقيقية للإمام ليتحرك بها الموالي كما تحتاج السفينة لشراع لتبحر به وتتحرك، فمن لم يتحرك نحو الحسين ويقصده ويذكره، ويتبع منهجه وتكون طاعته طاعة مودة، لا يمكن أن يعتبر نفسه راكباً حقيقياً، ولن يبلغ النجاة المرجوة من انتمائه له.
إذاً فإن الإنسان الذي يركب سفينة الحسين (عليه السلام)، ويهتدي لنوره، ويحترق بحرارة عشقه، يغدو جزئا منه، ومظهر تجليا له بل يغدو حسينيا فيكون هو جزء من تلك السفينة، فينجوا ويُنجي.. يصبح ذو نورانية فيعكس ما عنده من نور فيُنير لغيره.. يكون شراع متحرك نحو هدفه الحقيقي الذي هو هدف امامه الحسين (عليه السلام) ومُحرك للغير نحوه.
وهكذا يكون محباً حقيقياً بل ومحبوباً عنده (عليه السلام) ومرضيا، وبالتالي يرسو معه ويكون مجاوراً له في الحياة الأبدية.
...........
اضافةتعليق
التعليقات