أسرة صغيرة كريمة النسب، الزوج صاحب يصلي ببني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة صالحة ولكنها لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زوج خالتها، كانت تلك الانثى مثالا للعبادة والتقوى، كلما دخل عليها المحراب (زوج خالتها) وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب:
(قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
ويروي الله تعالى قصتها في القرآن (وَاذكُر فِي الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لي غُلامٌ وَلَم يمسسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً).
هل عرفتم من هي هذه السيدة التي اختارها الله لتكن سيدة نساء عصرها ؟ انها السيدة مريم (عليها السلام)
ام المسيح .
" بشارة من السماء "
جاء جبريل (عليه السلام) لمريم وهي في المحراب فخافت السيدة منه وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) اطمأنت السيدة مريم لحظة، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت فلم يمسسها بشر من قبل ولم تتزوج، فكيف تنجب بغير زواج!! فقالت له: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قال جبريل(عليه السلام): (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا).
اندهشت من الامر، قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه وتعرف أنه سيكون نبيا عند الله ، وقبل أن تتحرك شعرت بثقل في جيبها، نفخ جبريل (عليه السلام) في جيب مريم فحملت فورا.
مضت الايام، وحملها يختلف عن حمل النساء، لم تشعر بثقل ولا شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء، حان موعد الولادة، خرجت إلى مكان بعيد لا يقصده أحد، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقتربون منها، جلست تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، تفكر في امرها، اخذت تشعر بألم، وراح الألم يتزايد لم تصرخ ولم تندب، رددت " يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" وامتلأ قلبها بالخوف والحزن، وولدت في نفس اللحظة
(فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا).
بعد الم الولادة وحزن قلبها سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها، لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي، بعدما كانت يابسة، لفّت الطفل في ملابسها واحتضنته، عصرا عادت وفي طريقها إلى المسجد، لم تكد تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي ببطيء.
احاطوها، أليست هذه مريم العذراء؟ ما هذا الطفل الذي تحمله على صدرها؟
قال أحدهم: هو طفلها؟
وقال الاخر: لم تكن سيئة ولا بغية..
تقدم احد الكهنة وسألها: ابن من هذا يا مريم (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)
الاتهامات تشير عليها، فلما زادت الأسئلة، وبدوا يتحدثون عن اسرتها ويذمون تربيتها، ضاق صدرها ودمعت عينها، أشارت بيدها لطفلها، اندهش الناس،عرفوا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو!!
قالوا لمريم:) كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) قال عيسى:
(إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (*) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (*) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
كانت وجوه الكهنة شاحبة، طفل يتكلم و من غير اب، انزل عليه الانجيل وجعله نبيا مرسلا لحواريين، ظهرت نبوته بالمعجزات والبراهين الصادقة وعاش بينهم الى أن رفعه الله بعد ما ارادوا قتله وصلبه وسيظهر ويصلي خلف الامام المهدي (عجل الله فرجة الشريف) ويبايعه.
مواعظ قرآنية من سورة مريم
· خُصّصت لها سورةٌ تحمل اسم "مريم".
· ذكرت القصة كاملة من حياة ابيها وانتهاء الى ولادتها للمسيح (عليه السلام).
· ذكرها القران الكريم بالحجاب والعفة والحشمة مما جعلها سيدة نساء عصرها، (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا).
· اهمية الوفاء بالنذر والالتزام به فعندما نذرت امرأة عمران اوفت بنذرها.
· حياءً من الآخرين و خشيةً من الاتهام بالسوء والفاحشة.
· اهمية اطعام المرأة بعد الولادة، وخاصة التمر لما فيه من الفوائد .
· ان الالم الولادة الم عظيم..
· اهمية اختيار الام الصالحة لولادة نبي ومنقذ يكون قدوة للناس .
· سورة مريم سورة مكية لأنها نزلت قبل الهجرة إلى الحبشة لما هاجر جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي .
· اسم (الرحمن) تكرر في السورة 14 مرة والرحمة تكررت أريع مرات ولم تتكرر في غيرها من السورة بهذا العدد حتى في سورة البقرة ولا في سورة الرحمن.
اضافةتعليق
التعليقات