منذ سنين طويلة يشعُّ وجهي بجماله.. أفتخر به و أتباهى بضياءه، فأنا مشكاة الأزمنة الفريد.. يُشبّهون الجميل بي، يتغزلون بجمالي و بطلّتي المغرورة، تلك التي اُخفيها و لا اطلّ عليهم بها كل ليلة من فرط اعجابي بنفسي!
تحسدني الشمس و اتعجب من سبب ذلك.. رغم أني اغار منها! على ما تملك من أشعة تحرق العين بنورها.. اغار من طلتّها الكريمة بكل يوم دون منّة، من عطاءها السخي المبذول على مدار الأيام.. وفيّة تأتي بوقتها كل يوم و تخبر الناس بموعد رحيلها حين تغرب، حتى لا توحشهم بالظلمة المفاجئة.. "فمن كان يريد بعضاً من الكمال والعلى فليكن كالشمس معطاء و وفي و سخياً ايضاً في آنٍ واحد"..
عندما تعذبني غيرتي احاول بأن اغيضها بجمالي حين أكتمل بليلة واحدة فقط، فأظهر في اول بدايات الليل و البث حتى تشرق الشمس بكامل خيوط نورها ..
انا جميل حقاً، اعلم ذلك و لا يختلف عليه اثنين و لكنني لا أصل لكرم الشمس وعطاءها،، إذن لماذا تحسدني هي؟؟
حسناً سأسألها عن ذلك و اجبرها على الجواب، اريد جواباً لظنوني و تساؤلاتي ف ما الذي يجعل كوكباً مشعاً كالشمس بأن يغار من نور القمر المتلاشي امام عظمته!
إنتظرت الى مطلعها و قاومت موعد رحيلي رغم حلول حينه، حتى اجد جوابي المنتظر و حينما تقابلنا و لأول مرة كانت السماء بلونها المشرق تتدلى فوق رؤوسنا، رأيت إنعكاس وجهي أمام نورها.. تمالكت نفسي و سألتها بجرأة باردة دون اية مقدمات والرعشة تعتري صوتي المتهدّج، لماذا تحسديني أيتها الشمس الكريمة برغم أن نوري امام عظمتك معدم القيمة؟!
صمتت قليلاً و صمتها اخافني حتى اني اشحت بوجهي عنها قليلاً لتستجمع قواها و تجيببني، ولكنها لم تستغرب لتساؤلاتي و اجابتني بجملة قصيرة كافية: "لأنك جميل يا قمر"
انت ايضاً جميلة ايتها الشمس المعطاءة؟!
" اعلم بذلك يا قمر، و لكن نوري لم يشفع لي ليشبّهون العباس به؟!"
حقاً ما تقولين يا شمس؟! اي عباساً تعنين؟! صفيه لي ارجوك ..
"عباس بن امير المؤمنين ذاك من اجتمعت فيه جميع صفات الكمال من بأس و شجاعة واباء ونجدة .. وبهجة في المنظر و وضاءة في المحيا، من ثغر باسم و وجه طلق يطفح عليه رواء الجمال.. ضياءٌ يشع من رأسه الى قدميه حتى صار هو قمر الارض وقمر العشيرة و قمر اخيه الحسين ..
اتعلم يا قمر لم يمر على البشرية وفاءاً كوفاء العباس لأخيه !
" اكملي يا شمس، فها انا اشعر بهيبة تسري في عروقي اثر سماع اسمه فقط ..زيديني خشوعاً"..
اخٌ كان كالعمود الشامخ لخيمة اخواته و كالظهر الصلب لجسد اخيه و كالمشكاة المضيئة لموكب الاحزان في كربلاء، القلب الثاني للحسين و الخيمة الساترة لزينب.. تخطى الوف الفرسان ليجلب الماء للحرم العَطِش و حين وصل اليه بشجاعة غير مسبوقة و امتلت يداه منه رماه بقسوة دون ان يرتوي به قبل اخيه الحسين معلناً بذلك وفاءاً لا مثيلاً له في تاريخ البشرية..
اتريد وصف العباس يا قمر.. كيف و القمر لا يُطلق الا على الكامل في الصفات و الهبات ..
"العباس لا يُوصف"..
فلا تأس على جمالك امام نوري و ان كنتُ مشعة في كل يوم.. يكفيك من العباس فخراً وفضلا..
اضافةتعليق
التعليقات