عندما نتكلم عن صناعة الانسان فنحن نقصد الصناعة العظيمة من نطفة إلى مجموعة من الخلايا والانسجة الدقيقة إلى جسد وروح، بشر متكامل يأكل ويشرب، فبعد هذه المراحل من الصناعة لا بد أن تكون رسالة عظيمة صنع من أجلها الانسان، ومن هنا يأتي توجيه الهدف نحو الرسالة، والقرآن الكريم يعطي شواهد كثيرة على ذلك منها:
وجه الشبه بين الرسول محمد والامام الحسن
أعطى القرآن الكريم نماذج كثيرة للبعد الاخلاقي منها، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿وَإِنَّكَ﴾ يا رسول الله ﴿لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾: لا يمكن أن ينافس في شرفه وقدره وعظيم شأنه أحد من البشر، وموضع آخر ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ مهما فعلوا بك يا رسول الله
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) بقوله ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، حتى يكتمل البعد الأخلاقي عرف النبي والمؤمنون بآداب التعامل مع الاخرين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ وما جاء به من الرحمة، فيقول سبحانه ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فوصَفه الله بأنه ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾؛ ومع كل آية تفسير لومضة أو حادثة حصلت فلكل نبي قصة وآية في القرآن الكريم.
ومن جملة ما ذكر أهل البيت عليهم في أكثر من موضع وكان بتصريح مباشر أو غير مباشر ونحن بصدى ولادة كريم أهل البيت عليهم السلام فكان نموذجا للبعد الأخلاقي في الأرض بعد رسول الله وأبيه الامام علي (عليه السلام) فمن حيث الشخصية فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم له: ((أشبهت خَلقي وخُلقي)).
ونقل من أخلاقه أنه مرّ على صبيان يتناولون الطعام فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك ثم حملهم إلى منزله فمنحهم ببره ومعروفه وقال: اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما اطعموني ونحن نجد مما اعطيناهم.
ومن مكارم أخلاقه أنه كان يغضي عمن أساء إليه ويقابله بالإحسان فقد كانت عنده شاة فوجدها يوما قد كسرت رجلها فقال (عليه السلام) لغلامه:
قال: من فعل هذا بها؟
قال: أنا
قال: لم ذلك؟!
قال: لأجلب لك الهم والغم، فتبسم (عليه السلام) وقال له: لأسرك فاعتقه وأجزل له في العطاء.
واجتاز على الامام شخص من أهل الشام ممن غذاؤهم معاوية بالكراهية والحقد على آل البيت فجعل يكيل للأمام السب والشتم والامام ساكت لم يرد عليه شيئا من مقالته وبعد فراغه التفت الامام فخاطبه بناعم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا: أيها الشيخ: أظنك غريبا؟ لو سألتنا أعطيناك ولو استرشدنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك وإن كنت جائعا أطعمناك وإن كنت محتاجا أغنيناك وإن كنت طريدا أويناك، وما زال (عليها السلام) يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه حتى ذهل ولم يطق رد الكلام وبقي حائرا خجلا كيف يعتذر للأمام وكيف يمحو الذنب عنه؟ وطفق يقول {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} فيمن يشاء.
البعد الانساني ورد الاحسان
حجّ ذات سنة هو وأخوه الإمام الحسين (ع)، وعبد اللـه بن جعفر، ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة، أحلبوها واستطعموها، فذبحت لهم شاتها وشوتها، فلما طعموا قالوا لها: نحن نفر من قريش، نريد هذا الوجه، فإذا عدنا فَمُرِّي بنا، فإنا صانعون بك خيراً. ثم مضت بها الأيام وأضرت بها الحال، فرحلت حتى وصلت المدينة المنورة. فرآها الحسن (ع)، فعرفها فقال لها: أتعرفينني؟. قالت: لا. قال: أنا ضيفك يوم كذا وكذا. فأمر لها بألف شاة وألف دينار، وبعث بها إلى الحسين (ع)، فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد اللـه بن جعفر، فأعطاها مثل ذلك.
ومواقف أخرى ذكرها التاريخ عن انسانية الامام الحسن التي ورثها من ابيه وجده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) فكان من جملة المذكورين في آية الأسوة (ولكم في رسول الله اسوة) وعترته أسوة وقدوة في حياتكم.
اضافةتعليق
التعليقات