لن ينسى التأريخ واقعة الطف على مدار العصور والازمان لما تحمله هذه الواقعة من ذكرى اليمة في نفوس اهل البيت عليهم السلام حيث خلّدت بطولات ملحمية و دوّنت صورا نادرة الوجود في ارض كربلاء المقدسة، دونت مواقف تدمي لها العيون وتقشعر اليها الابدان. أن واقعة الطف أرست قاعدة الشهادة المتصلة في الهدف الأساسي أعلاء بالفكر المحمدي الشريف برسالة الإسلام كمنهج وعقيدة رصيدها الدستور الإنساني.
ان الاثر الذي تركته الرسالة الحسينية في واقعة الطف الى يومنا هذا تدل على عمق وثراء المعاني والدلالات فهي ليست قضية عابرة عن قائد قومي او بطل مقدام اقام حرب ضد الظلم ولو كانت كذلك فصفحات التأريخ تحمل العديد من الشخصيات القومية ولكن قضية الامام الحسين عليه السلام مختلفة لأنها رفعت منهاج الحق فيقول الامام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية في وصية له: «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». فالإصلاح في أمة جده (صلى الله عليه وآله) هو هدفه من الثورة وهذا هو السبب الاساسي الذي جعل ثورة الامام الحسين ثورة مستمرة حية ممتدة في الضمير الانساني لبشر ينتمون الى جميع قارات العالم.
ولكن من يضن ان اعداء الامام الحسين قد انتهوا مع التأريخ واندثروا تحت براكين الطرقات فهذا الاعتقاد خاطئ، مادامت ثورة الامام عليه السلام حية بمضمونها الانساني الى يومنا هذا فأعداءها حييون يرزقون باختلاف تسمياتهم.
مع كل زمان ومكان هنالك اعداء لمنهاج الامام الحسين عليه السلام وثورته ومن يتبعونه وبكل الطرق وجميع الوسائل يحاربون منهاجه عليه السلام ومن يتبع ثورته ان اعداء معركة الطف يزدادون على مر التاريخ ويتلونون بجميع الالوان، الى ان وصل العداء وتوغل الى عقول مواليه عليه السلام.
فأصبحت الحرب حرب فكرية عقائدية وسلاحها اللسان والتشكيك بكل حركة وكلمة يفعلها موالين الامام الحسين عليه السلام حتى ان الموالين انفسهم باتوا ينتقدون بعضهم واكثر اداة تستخدم في هذه الحرب هي طقوس الشعائر الحسينية.
فالحديث عن الشعائر الحسينية حديث متجدد في كل عام والعداء للمواكب الحسينية عداء واضح من خلال التفجيرات المستمرة للمواكب الحسينية التي تحدث في كل عام في دول العالم الهدف منهم هو النيل من مواليين اهل البيت، ولكن العداء امتد الى صورة اكبر من ذلك واسلحة الحرب بدلا من السيف والقنبلة اصبحت حرب فكرية مستهدفة.
إن تشويه الشعائر الحسينية ومن يقف وراءها وتسقيط من يحرص على اقامتها بكل مايمتلك من قوة انه عمل عدائي واضح لمنهاج ثورة الامام الحسين عليه السلام، وتسخير العقول للحد من اقامة الشعائر الحسينية انه عمل عدائي يقوم به اعداء الحسين عليه السلام وهم بني امية العصر الراهن وهم اخطر واذكى من بني امية معركة الطف.
لأنهم ويؤسفني ذلك انهم سيطروا على بعض من افكار شبابنا واقنعوهم بهذه الافكار الدخيلة والاتعس من ذلك باتوا يناشدون الى تهذيب الشعائر الحسينية وعندما يكون عدوك هو من كان صديقك تكون ضربته اقوى، فنرى التشكيك هي اداة الحرب التي يستعملها بني امية العصر الحديث التشكيك في كل حادثة وكل اجراء يقام على حب الحسين عليه السلام.
لم تكن السيدة زينب (عليها السلام) غافلةً عن أبعاد كلمتها التّاريخيَّة الخالدة، وهي تتحدَّى القاتل يزيد المحاط بالجند والعسكر، وتقول له: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا". فكيف يبقى ذلك الذكر يتغنى عبر الاجيال وكيف يتعرف اطفالنا على واقعة الطف والامام الحسين عليه السلام ودروسه الانسانية اذا لم تكن هنالك ذكرى سنوية لتلك الواقعة نسترجع من خلالها مصائب ال بيت النبوة.
فلن يكون طبخ الطعام وتقديمه لاستضافة زوار أباعبد الله الحسين تبذير ومصاريف في غير موضعها، ولا يكون اللطم على الصدور والبكاء ولبس السواد شيء عبثي لأنه رسالة عملية نقدمها إلى أجيالنا القادمة ولن يكون التطبير عمل عبثي والتشابيه لامعنى لها، فهذه الأمور مجتمعة هي رسالة عملية يقدمها شيعة ومواليين آل البيت عليهم السلام في كل عام لاستعادة مظلومية آل البيت ونشر الرسالة الحسينية إلى أبعد نقطة من بقاع الأرض.
فصارت الشعائر الحسينية الشغل الشاغل لجميع الموالين وانقسمت الآراء ما بين مؤيد ومنافي حتى وصلت الصورة إلى تسقيط كل من يعمل على الشعائر الحسينية فقط لإثبات أنها في غير موضعها وأصبح جدالا عقيما حول هذه القضية بين الموالين أنفسهم والتشكيك بكل حادثة وكل واردة.
اتركوا الشعائر الحسينية واجعلوا من أيام عاشوراء أيام لها عظمتها التي تهز عروش الطغاة ولا تجعلوا من أنفسكم أداة يستخدمها أعداء الحسين لمحاربة الرسالة الدينية والانسانية والاجتماعية من ثورة الامام الحسين عليه السلام، ولنقتل بني أمية العصر الحديث بعبارة لبيك يا حسين وهيهات منا الذلة.
اضافةتعليق
التعليقات