"لا سلطان على العقل إلا العقل ذاته" مقولة لعميد الأدب العربي طه حسين، نادرا ما أجدها متوفرة لدى مجتمعاتنا العربية، لأن عقل الفرد العربي عاطل عن العمل في كثير من الأحيان، واذا مابرزت على الساحة قضية أو دراسة ما، نجد أغلب الأفراد يقومون بخلط المفاهيم نتيجة لجهلهم وتأخرهم الفكري وعدم محاولتهم البحث عن الحقائق.
حدث معي موقف منذ مدة قصيرة أكد لي ماقلته سابقا، كنت كعادتي أتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، توقفت عند وصف لمقطع فيديو جذب انتباهي كان نصه "طرد عائلة يهودية من طائرة امريكية" نقرت على زر التشغيل وبدأت أشاهد محتوى الفيديو (عائلة يهودية مكونة من الأب والأم وطفلتهما تبلغ من العمر 9 أشهر، كانوا متوجهين إلى محل اقامتهم في ديترويت حينما تم اجبارهم على النزول من الطائرة قبل اقلاعها بقليل من قبل موظفي شركة الطيران الأمريكية في ولاية ميامي، بعد أن اشتكى المسافرين بأن الزوجين رائحتهما غريبة" على حد قولهم، ولم تبين شركة الطيران السبب الحقيقي لانزالهم من الطائرة، لم أستغرب من محتوى الفيديو، وبعد مشاهدتي للمقطع رغبت برؤية رد فعل بقية المشاهدين فتوجهت إلى خانة التعليقات، وعندها صدمت لما رأيت التعليقات السلبية والكلمات الجارحة والألفاظ النابية والذي أثار دهشتي أكثر تعليقات معظمهم الذين ربطوا الرائحة بالمعتقد!.
إذ اتهموهم بأنهم أنجاس ويستحقون ماحصل معهم، بالرغم من أن العائلة قالت "سبب نزولنا ليس له علاقة برائحتنا حسب اعتقادهم"، والبعض عَلـــَّق قائلا بأنهم "المغضوب عليهم" مستندا بذلك للآية الكريمة من سورة الفاتحة لكي يبرر كرهه لهم، والآخر عَلـــَّق "مايحدث معهم نتيجة ظلمهم الفلسطينيين" والمؤيدين لهم كانوا كثيرين، والذي أحزنني بأن هؤلاء أشخاص يدعون بأنهم مسلمون ويقرأون ويكتبون، مما جعلني أدرك بأن كل هذه العنصرية والحقد الذي يكنونه كمسلمين بينما يفترض بأن تكون أخلاقهم رمز الانسانية والسلام، وجاء ذلك نتيجة عدم تفرقتهم بين اليهود كدين سماوي وبين الصهيونية كحركة سياسية، بل خلطوا الحابل بالنابل نتيجة لتخلفهم الديني والثقافي، إذ لْـو كانوا فعلا مسلمين وليسوا متأسلمين وقرأوا القرآن لكانت ردودهم غير ذلك، ولو اتخذوا من أخلاق الرسول وآل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام مع الأديان الأخرى لكانت ردودهم تختلف.
وأنا استمر في قراءة التعليقات لاحت لي ذكرى عن كلمات قالها عالم مصري مسلم خلال لقاء تلفزيوني معه على إحدى القنوات الفضائية المعروفة "إن التسامح الديني هي أحد صفات المسلم المؤمن الحقيقي الذي يؤمن بأن الاختلاف واقع بمشيئة (الله عز وجل) مستشهدا بالآية الكريمة من سورة يونس"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)".
بالإضافة إلى إن الانسان المسلم يكرم الانسان من حيث هو انسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه أو لغته أو اقليمه أو طبقته، فالأنسان مكرم من قبل الله (عز وجل) "ولقد كرمنا بني آدم" آيه70 من سورة الأسراء، كذلك الاسلام بين علاقة الناس جميعا على أساس العدل، فالعدل عدل الله لجميع الخلق أي أن يكون بين المسلم واليهودي والنصراني وغيرهم عدل "ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى" آية8 من سورة المائدة، والشنأن هو شدة البغض سواء بغضهم لكم أو بغضكم لهم، لذا فالعدل مطلوب منا كمسلمين أو غير مسلمين.
أكملت قرائتي للتعليقات والردود ولم أرغب بالخروج من خانة التعليقات دون أن أترك ردا فكان ردي: (طغت رائحة كرههم وحقدهم، فظنوا إنها رائحة اليهودي).
اضافةتعليق
التعليقات