كثُرت الاحاديث عن المرأة وحقوقها ودورها وتكليفها دون الالتفات الى أصل الخلقة والحياة والهدف من الخلق.
منذ أن خلق تعالى الخلق خلقهم ذكراً وانثى وخاطبهما على حد سواء وكلف كل فرد من البشريةوأوجب عليه اموراً ونهاه عن أمور.
فسبحانه منذ بداية خلقه لم يُميز بين ذكر وانثى بل بكليهما جعل تكامل الحياة
فخاطب الانسان بما هو انسان مخلوق مُكلف من قبله تعالى وارسل الرسل والأنبياء والأوصياء للبشرية بصورة عامة
وبيّن بأن التفاضل بينهم يكون على أساس التقوى والالتزام بتعاليمه، وفهمهم لمراده تعالى وامتثالهم لأمره، بتسليم منهم ومعرفة بحكمته تعالى وعظمته.
فجعل دور الانسان الأساس في هذه الحياة،وميزه على سائر خلقه، وسخر الخلائق بخدمته.
فكان للمرأة دورها كما للرجل دوره، لكن العقول القاصرة والأفكار الجاهلية فصلت بينهما وصيرتهما في حالة الندية والانتقاص كلٌ من الآخر.
وبالأخص النظرة إلى المرأة إن كانت من المرأة نفسها أو من الرجل، فقد صيرها الجهل وقلة الوعي نظرة دونية ترى بأن المرأة أقل من الرجل وأدنى خِلقة وقد خلقت من أجل أن تكون بخدمته وتحت أمره. وهذا خلاف ما أقره تعالى وجاء به كل رسله وأوصيائه.
خصوصاً ما أكد عليه رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأوضحه بآيات الذكر الحكيم التي أنزلها تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
وقوله تعالى أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.
وأشاد القرآن الكريم أيضاً بنساء تميزن وبلغن العلى في الايمان والتقوى حتى كُن قدوة لسائر الخلق
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
فالاسلام وجميع الرسالات دين العلم والمعرفة وكانت أول كلمة من الوحي هي اقرأ بياناً لأهمية المعرفة وانها المرتكز الأول للايمان كما هي المرتكز الأول للعلم والحضارة.
فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
وجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
فمنذ بداية الاسلام تقدمت المرأة في مجال العلم والمعرفة حتى ان منهن من يروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان لهن دور كبير في الدفاع عن الحق وأولهن السيدة خديجة عليها السلام وسمية ام عمار التي استشهدت في سبيل الحق ونساء كثيرات في الإسلام كان لهن دوراً عظيماً.
إلا ان التراجع عن الاسلام والابتعاد عن اصوله الأولى عاد بالفرد الى أفكار الجاهلية وعادت المرأة تواجه الظروف المتخلفة والمجتمعات المتخلفة مرة أخرى
وعلى أي حال فالاسلام فتح باب العلم في وجه المرأة كما فتحه في وجه الرجل وسهل سبل ارتقاء المرأة مدارج المعرفة، وللإسلام في تصدي المرأة لمقام التعليم وتناول الفكر الديني وممارستها العمل السياسي واستقلالها الاقتصادي السبق عن سائر الحضارات المعاصرة له.
لكن مع تسمية دول الشرق بالدول الاسلامية المرأة في كثير منها لم تكن ولم تعد أفضل حالاً من المرأة في الغرب التي ربما فقدت اليوم كرامتها وعزتها ولكنها قد اكتسبت بعض حقوقها الاجتماعية والسياسية في أكثر من بعد.
أما في الشرق فإنها في الكثير من هذه البلاد لازالت تُعامل كانسانة ناقصة لا تتمتع بالكثير من حقوقها السياسية والاجتماعية وانما هي لا زالت من قطاع الحريم والجواري التي تختص شؤونها بالخدمة.
"فإن المرأة النموذجية عند كثير من الناس هي الخدامة الممتازة فتوصف المرأة بطبخها وكثرة شغلها ...... لا يحق لها ابداء رأي وليس لها ان تختار أو تستشار..".
هنا برزت عظمة الاسلام الذي كرّم المرأة وأراد لها أن تحيا كإنسانة فـ"النساء شقائق الرجال" كما ورد في الحديث
وفي قوله تعالى: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وكان من حكم فرض الزي المحتشم على المرأة في الاسلام ان الله تعالى أراد للمرأة أن تمارس دورها في الحياة وتتحرك في المجتمع بشخصيتها الانسانية لا بأنوثتها التي لها قيمتها ودورها في مواقعها الخاصة.
وقد حمل الاسلام الانسان المسؤولية عن نفسه ومجتمعه المحيط به اذ يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: كلكم راع وكلٌ مسؤول عن رعيته.
فبرزن نساء أجدن تأدية دورهن في الحياة، وتركن أثراً، وغيّرن واقعاً مُزرياً آيل الى الانهيار والضياع، ببيانهن للحق والثبات في دفاعهن عنه، وتفوقهن بتقواهن.
وأبرز وأعظم هذه الشخصيات مولاتنا زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام التي ورثت من أبيها شجاعتها وبلاغتها، وكذلك أكملت مسير أمها العظيمة سيدة الوجود بضعة الرسول التي اقترن رضاها برضى خالقها مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها
فكان لمولاتنا زينب عليها السلام زينة أبيها دوراًعظيماً في الحفاظ على دين جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمّلت وتصدت منذ صغرها.
تميزت في عبادتها وعلمها وبلاغتها، كيف لا وهي ابنة علي وفاطمة ومنْ فَرِح الرسول بولادتها وجاء الوحي مهنئاً حاملاً اسمها السماوي.
تحملت مسؤولية رعاية اخوتها والتخفيف عنهم ومؤازرتهم منذ أن فقدت امها الزهراء سلام الله عليها بعدها كانت سنداً لأبيها
وكانت مدرسة لكل النساء حيث تستقبل كل من تعتني لها من النساء بمسألة أو طلباً للعلم، فقدمت سيدتي زينب علماً وفقهاً لمن اعتنى للتزود منها والتعلم وكانت قدوة للأم المربية القائدة.
ثم في ساحات الوغى ومعترك السياسة وقفت شخوص الرجال لها اجلالاً
وأخرست الألسن ببلاغتها، وبينت مخازي الامة وفضحت نفاقهم وكفرهم، ودافعت عن رسالة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوقوفها ومؤازرتها لأخيها سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام.
فبدورها أكملت دور أخيها أبي عبد الله عليه السلام، وأوصلت صوت الحق من عاشوراء وحافظت على نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، متحدية بشجاعتها وايمانها القوي وعلمها الطغاة
فمن مثلها وقد وقفت بوجه قاتل أهلها وظالم عيالهم المُتجاهر بالفسق المتجاوز كل الحدود.
وقفت وقفة قوية وصل صداها في الارجاء قائلة له:اسع سعيك وكد كيدك فو الله لاتمحو ذكرنا ولاتُميت وحينا.
بكلامها وقوتها وبلاغتها أرَّقت سهاد الطغاة، وجعلتهم يرتجفون خوفاً من أن يعي الناس رذائلهم. ولكن وللأسف الوعي قليل والعقول نائمة والنفوس هلكى بهواها..
اضافةتعليق
التعليقات