لدي حساسية من الغلوتين، هذا الجانب الذي فرض علي قهر ميلي لما لذ وطاب من الطعام، وعلى أني لم أكن نهمة أو شرهة أو كثيرة الاهتمام بالطعام إلا أن عدم تناول أنواع بذاتها من الأطعمة شكل لي شيئاً من التحدي، ومن تلك الأطعمة كعكة عيد الميلاد، ولفترة طويلة أعددت كعكة عيد ميلادي بنفسي، وعند أعياد ميلاد الآخرين والمناسبات السعيدة الأخرى اكتفيت بالتفرج وتناول قطعة من الكراميل وشربت القليل من العصير.
لم يعني لي ذلك شيئاً كبيراً ولكنه وبالأخص في البدايات شكل غصة، كأنني كنت غير مدعوة لهذا الحفل، والأسوأ من ذلك لم أشعر أني مرئية...
وحين كان الناس ينتبهون لي، يعتذرون وينظرون لي بشفقة وهذا يجعلني أشعر بأن وجودي مثقل للحاضرين والجلسة عموماً، وهذا مريع... لم يكن هناك تصرف صحيح، كنتُ غير مرتاحة وغير متأقلمة بوضعي الجديد بكل الأحوال.
قبل خمس سنوات أو ست حين عرفت أن لدي حساسية غلوتين ونجوت من الموت المحتم التدريجي البطيئ حيث توقف جسمي بشكل شبه تام عن العمل، كان شعوري بعدم وجود طعام مناسب لي شيئاً من البذخ، مجرد أني بخير عنى لي أني حزت على الدنيا وما فيها، أي لذة للطعام يُبكى عليها وقد حزتُ على لذة الصحة؟
الآن وبعد هذه المدة، وبعد أن شخص عدد كبير بنفس الحساسية، تمنيت أن العالم تغير، لكن ما زال العثور على جهة تعد كعكة عيد الميلاد وبعض الحلوى صعباً! ليس نادراً لكنه صعب.
تواصلت خلال هذه المدة مع عدد كبير من متاجر الحلوى، والمقاهي، وحسابات صناعة الحلوى لرفع الوعي حول وجودنا نحن، فئة كبيرة من الذين نعاني من حساسية الغلوتين، ونحتاج أن نذهب إلى مقهى عصراً مع الأصدقاء ولا نفكر ألف مرة فيما إذا كنا نستطيع أن نأكل أم لا، ولم أحصل على أدنى اهتمام، كان تواصلي يومياً مع جهات بعينها، لم يكن يعنيهم مطلقاً كسب هذه الشريحة من الزبائن، وهي خطوة أجدها غير ذكية، نحن فئة قليلة لكنها مربحة جداً.
وحين تواصلت من أجل كعكة عيد الميلاد حصلت على ثلاثة ردود إيجابية، واحدٌ منها تركته لأنهم لا يستخدمون إلا مواداً ضمن قائمة المقاطعة، وهي مواد لا تعتمد معيار حلال أيضاً، واثنين فقط هو ما تبقى، وكان بشكل مخفي، لم يعلنوا عنه، كأنهم يبيعون ممنوعات مثلاً، لو لم أسأل لم أكن لأعرف مطلقاً.
هنا سأشيد بتجربتي الشخصية مع أحد تلك الإجابات الإيجابية، متجر حلوى قرر أن يولي بعضاً من الاهتمام، أن يقول سأحاول، جربت صناعتها مرة، وأريد تجربتها مرة ثانية، هل تريدين التجربة؟ قلتُ نعم، وسأل أكثر عن نوع الطحين الذي أستخدمه عادة، وسأل عن إمكانية استخدام كل مكون (كون الحساسية ليست متشابهة عند الجميع)، وحصلتُ على أجمل كعكة ليوم تميز بوجودها، لم يكن عيد ميلادي ولكن لشدة سعادتي يمكن أن أعده مستقبلاً كذلك.
أن تعد لنفسك الحلويات وبالأخص كعكة عيد الميلاد هو أمر حزين للغاية، لا يستطيع أحد صنع مفاجأة لك، ليس لأنهم لا يريدون، ولكن لأنهم لا يعرفون، إذا كنا نحن المصابون بالحساسية لا نعرف جهة تعدها، كيف بالآخرين؟
أعتقد يجب أن يكون هناك تحرك حقيقي للضغط على وزارة الصحة والتجارة والتربية والتعليم العالي والحكومات المحلية وغيرها من الجهات المعنية لتنظيم ضخ منتجات حساسية الغلوتين على مديات واسعة، وفرض وجود قوائم خاصة بنا في المطاعم والمقاهي وتطبيقات توصيل الطعام ومقاصف الجامعات والمدارس، ورفع الوعي عموماً حول هذه الحساسية... فلم نختر أن نصاب بها، كانت إما مفاجأة مورثاتنا، أو نتيجة التلاعب في المواد الغذائية، وليس هناك طريق للشفاء منها، هو شيء علينا أن نعيش به، ونتعايش معه.
أن تصاب بحساسية غلوتين يشبه أن يكون الهواء موجود غير أنك غير قادر على التنفس، أن تكون صائماً وسط متجر أغذية، أن تحاول الصراخ في حلم ولكن صوتك لا يظهر، أن ترى كل ما تريد وتحلم به ولكنك ابتلعت تلك الحبة التي حولت آليس لقزم صغير يصعب عليه الوصول إلى الأشياء، شعور من الإحباط العميق الذي لا يحاول هذا العالم مساعدتنا على التقليل منه، رغم أنه في جوهره نجاة وحياة جديدة، لكننا مستمرون في المعاناة طالما لا يحاول الناس فهمنا أو إدراجنا ضمن قائمة المرئيين على الأقل.
اضافةتعليق
التعليقات