بين معركة الموت والحياة، هنالك تاريخ يدون انقلابه بزهق الباطل في ساحة قتال وقعوا كل منتصريه على الارض بلا رأس!، فكان للحسين عليه السلام جنود او بلفظ اصح اصحاب ليس كمثلهم اصحاب.. هذا ما اكده الامام بنفسه في قوله: "أما بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي"، وبما ان علم الامام هو علم امدي وغير محصور بمدة زمنية معينة، اذن يجزم الامام بقوله انه لم يكن للأئمة من قبله اصحاب كالشخصيات التي رافقته في الطف.
فهذا الانتصار العظيم الذي حققه القائد الحسين بن علي لم يكتمل إلاّ بوجود هؤلاء القوم وما لعبوه من دور مميز في تلك المعركة، فكل شخصية من تلك الشخصيات تركت بصمة كبيرة في تاريخ البشرية ونقلت بموقفها الخاص مع الحسين واهل بيته قيم ومواعظ كثيرة كان لابد ان تصل الينا..
فما وصل عنهم من إيمان قوي وجأش رابط وثبات دائم وعزيمة قوية وفروسية وصدق وإخلاص ووفاء لأهل البيت (عليهم السلام) وإيثار وسخاء واهم من كل شيء الموالاة والبراءة، والبصر والبصيرة، والتسليم المطلق والاطاعة التامة لامام زمانهم، ومن خلال التطلع على سيرهم العطرة نستطيع ان نقول بأن هذه الصفات العظيمة هي التي اهلتهم لأن يلتحقوا بقافلة العشق ويخلدوا في صفحات التاريخ ويكونوا خير شهداء عرفتهم ضمائر الانسانية في الوجود.
فماذا تمتعت هذه الشخصيات من صفات اهلتها لتكون في صفوف انصار الحسين سنة ٦١ هـ؟، وهل يحتاج الامام الى انصار في هذه السنة وفي قرن واحد وعشرين بالتحديد؟
لو نربط قليلا موضوع عاشواء بالواقع الحالي، سنجد انفسنا واجبين الاطاعة لامام زماننا الغائب (المهدي) عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلكل زمان امامه، وان نصرة الامام المهدي هو نصرة للامام الحسين، لأن الأمر تتابعي خصوصا ان المهدي (عج) هو الاخذ بثار الحسين وثار الحسين هو ثأر الله.
وما ميز اصحاب الحسين (عليه السلام) ليس لأنهم قاتلوا في سبيل الله وحسب، بل لأنهم نصروا الاسلام وابن بنت رسول الله في موضع وزمن قل فيه الناصر، وخضع به اتقى الاتقياء الى اقوى امتحان في ترك الدنيا واللحاق الى دار الاخرة بأصعب الطرق واشدها، ظاهرها المظلومية والعطش والسبي وباطنها الشهادة والعزة والكرامة!، فمن كانت له البصيرة ما رأى القتل في سبيل احقاق الحق بين يدي الحسين إلاّ جميلا! وما سواه عميت بصيرته واختار الدنيا والتحق بركب الخاسرين.
ماذا عنا نحن؟، بأي ركب سنلتحق في ظل هذا الظلم والجشع الذي ملأ العالم؟ كيف سننصر صاحب الزمان مع كل ما يعيشه المجتمع من الفساد والتدهور؟، لأننا لا نقل شأنا عن كل من عاصر الحسين (عليه السلام) في ذلك الزمان، صحيح ان الزمان قد تغير ولكن الامتحان هو نفسه، بل اقوى واشد مع غيبة امام زماننا، وثبات عقيدتنا تعتبر الجهاد الأكبر الذي يريده الدين منا، ففي كل الاحوال ومهما تغيرت الازمان سيبقى اليزيديون يشيعون الفساد والظلم في العالم بأسماء وجنسيات مختلفة، مرة يزيد عربي، ومرة يزيد امريكي ومرة يهودي الاصل وهكذا تجدهم يتناوبون على عالمنا بجنسيات واسماء مختلفة، ولكن مهما تغيرت الوانهم واشكالهم سيبقى هدفهم واحد، ألا وهو القضاء على الاسلام، وبناء حكومتهم الباطلة والسيطرة على العالم.
اذن الوظيفة الوجودية لكل ناصر في هذا الزمان هي محاربة يزيد العصر، والعمل بشتى الطرق في تهيئة حكومة الامام المهدي (عليه السلام) والتي ستعتبر جزءا كبيرا من عملية اخذ الثأر، فلو دققنا بتفاصيل الواقع الحالي نرى بأن العولمة اثرت بصورة كبيرة على تفكير البشرية، واصبح التلاعب بالعقول وادخال العقائد والافكار الخاطئة تتم بطريقة اسهل واسرع، ليتم من خلالها تطبيع العادات والمنطق غير السليم والفكر المنحرف في داخل المجتمع بطريقة اليفة ومنمقة بالتطور والحضرية!.
وعندما نقول العولمة ستراودنا بلاشك مفردات تمثل السلاح ذو الحدين الا وهي "الاعلام، الانترنت…الخ" والتي تعتبر الطريق الاسرع لنخر المجتمع الناصر في وقتنا الحالي، او بالاحرى الباب الذي سلكته الجهات التكفيرية اللابسة لرداء التطور والعصرية في تنفيذ خطتهم القذرة بسحب الانصار من معسكر المهدي الى معسكر يزيد!.
فبماذا يجب ان يتمتع الناصر المهدوي في هذا الوقت كي يقاوم هذه الحرب الناعمة عليه وعلى اخوانه المسلمين في العالم؟ وهل المقاومة وحدها تكفي، ام عليه ان يحرك ساكنا ويرفع سلاحه وقلمه وعقله ليكون الطرف المنتصر في هذه الحرب؟.
بالتأكيد تعيش البشرية اليوم وضعا مشوشا من الاوضاع الامنية والسياسية والاخلاقية غير المنضبطة في العالم، ومن واجبنا اليوم حماية الجو الاجتماعي والاخلاقي للجيل الحالي بغلاف الاسلام والمحافظة على عدم تلوثه بشوائب الغرب الداعية الى تجاوز الخطوط الحمراء بحجة التطور.
ويمكن اختصار بعضها بالنقاط الاتية:
١-ادخال المفاهيم الاسلامية بالمناهج التربوية، وغرسها في نفوس الاطفال منذ الصغر بطريقة علمية مسلية.
٢-تحويل العلوم الاسلامية التنموية الى محاضرات وورشات عمل عصرية تلقى في الجامعات والمدارس بصورة دورية منتظمة ومكثفة تحت اشراف ناس اكفاء ومؤثرين في المجتمع.
٣-تدريب جيوش الكترونية لصد الشبهات التي تحصل على صفحات الفيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا الافراد الذين يتقصدون في ذلك، بهدف ضرب الاسلام، وزرع الفتنة بين ربوع المسلمين.
٤-تقويم الجانب العقائدي عند كل شاب وشابة وطرح المواضيع التي تخص ذلك سواء في المهرجانات او الندوات اوحتى المجالس الحسينية المقامة.
٥-تطوير ادوات التبليغ الاسلامي في العالم، والتحدث بلغة العصر.
٦-عدم السكوت عن الظلم الحاصل في المجتمع مهما كان صغيرا، لأن سكوت المظلومين سيؤدي الى صناعة الظالم (يزيد)، وهذا الذي ردعه الامام الحسين وضحى بنفسه وماله وعياله من اجله، فالحق يؤخذ حتى وان كان بحجم جناح بعوضة، لأن القوي لو غفل عن حقه فسح المجال للظالم بأن يتجبر على الضعفاء.
٧- تثبيت الصفات الانسانية والاسلامية في نفس الانسان التي دعا اليها الامام الحسين، كالامانة والاخلاص والوفاء، فلو عمل كل شخص منا في مجاله باخلاص وامانة لنصر الامام (عليه السلام)، ونصرة الامام هي نصرة للاسلام.
٨-الاحساس بالمسؤولية مهما كان موقعنا في المجتمع، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الانسان عبثا كي يحيا ويموت على هذه الأرض بهذه السهولة، فكل شخص منا يحمل رسالة معينة عليه تقديمها الى المجتمع بإخلاص وامانة تامة، فالمعلم والمربي والموظف والأم والطالب كل منهم واجب النصرة لامام الزمان من محله وموقعه، واي خلل او تواهن في العمل سيعيق النصرة واعاقة النصرة يعني اعاقة تشكيل حكومة المهدي (عج الله تعالى فرجه الشريف) واعاقة تشكيل حكومة المهدي هو خذلان للدين.
٩- تطوير لغة المنبر الحسيني والدعوة الى تجديد للإسلوب المطروح، والسعي في بناء حلقة وصل بين رجال الدين والناس العوام، واستخدام الادوات واللغة العصرية التي تستقطب شريحة الشباب.
١٠-تنشيط الجامعات والكليات بصورة عامة ضمن الاطار الانساني من خلال تسليط الضوء على الحركات الشبابية التي تقام ضمن الحرم الجامعي والتي تعزز من المفهوم الديني في حل مشاكل الفتيات والشباب بطرق اسلامية مقنعة، توالم لغة وثغرات العصر، لأن الانسان بطبيعة الحال يحتاج الى دين يعالج مشاكله ويقدم له افضل الحلول الممكنة، فعندما يجد الانسان بأن هذا الدين يلبي احتياجاته بالطبع سيشعر بالطمأنينة تجاهه ويؤثر عليه بشكل ايجابي.
١١-تسليط الضوء على الشخصيات الاسلامية البارزة في التاريخ، والتركيز على صفاتهم التي اثرت في الناس وساهمت في خلودهم، للاقتداء بها والسير على نهجها القويم، لأن معرفة الخواص من اصحاب اهل البيت (عليهم السلام) سيقرب الناس الى العترة الطاهرة وسيسهل عليهم معرفة الصفات التي يجب ان يتمتع بها كل ناصر وموالي لاهل البيت (عليهم السلام).
١٢- التسليم المطلق لإمام الزمان، واطاعة كل ما امر به الاسلام والانتهاء عن كل ما عرض، وامتلاك البصيرة التي ستؤهل الانسان للوصول الى مرحلة التكامل الانساني التي تسبق مرحلة نصرة امام الزمان.
١٣- التشجيع على التعليم والتعلم في سبيل الله، لأنه لا يلحق بركب المهدي (عليه السلام) اناس جاهلون، الامام يريد جنودا متعلمين جنودا تعاملوا مع تكليفهم العلمي والعملي بإخلاص وامانة تامة.
١٤- تنشئة فرق ومجاميع ابداعية مهمتها الاولى نقل المفاهيم الاسلامية بصورة جذابة وغير تقليدية الى العالم، بالاضافة الى معالجة الظواهر غير الحضارية في المجتمع من خلال الناشطين في مجال الاعلام الرقمي او حتى عمل الجروبات التي تعمل بصورة ميدانية حية داخل المجتمع.
بالاضافة الى الطرح اعلاه، هنالك نقاط اخلاقية واجتماعية ودينية اخرى -غير التي قدمت- يجب الالتفات اليها والتعامل معها بجدية تامة، اذ ان تجاهل صفة معينة من الممكن ان يضيع على الموالي نصرة امامه، وعدم التوفيق في الاختبارات الالهية والبلاءات التي تعتبر المرحلة التمهيدية قبيل النصرة لترويض النفس وتزكيتها من شوائب الدنيا وملاذاتها.
وتبقى معرفة صفات اصحاب الأئمة بشكل عام والامام الحسين (عليه السلام) بشكل خاص، ودراسة سيرهم الذاتية واستيعاب مواقفهم، الخطوة المهمة لاستيعاب موقفنا مع امام زماننا الغائب وتفهم دورنا الصحيح وفق هذه الظروف، لنصرة الاسلام في العالم وتهيئة الخلفية الثقافية والدينية المناسبة التي تمهد لمرحلة الظهور المبارك.
اضافةتعليق
التعليقات