إن المعاملة السلمية تجاه الصديق والعدو هي من الأسس الحيوية التي يلزم أن يقوم عليها النضال للحركة الإسلامية العالمية، والسلم في أول أمره مر وصعب، ويحتاج إلى ضبط الأعصاب وإلى عفو وإغماض، وإلى مقدرة نفسية توجب أن يعمل الإنسان بحزم وبالتي هي أحسن. كما قال سبحانه: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي ..."
يجب أن ينظر الإنسان إلى الهدف، وأن يعلم أن الانتقام يسبب تأخر الوصول إلى الهدف، ولذا نرى أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام والمصلحين كانوا يجنحون للسلام لا قبل قدرتهم فقط، بل حتى بعد قدرتهم.
والتاريخ يذكر كيف كان حلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصبره وعقله وحزمه، وهذه المكرمات يجب أن تسجل كمعاجز نفسية، وكم يجب أن تكون عظمة الإنسان حتى يصل إلى هذا الحد.
فالحركة الإسلامية العالمية يجب أن تصطبغ بصبغة العفو والسلم والسلام والمسالمة، لا مع الأصدقاء والأقرباء فحسب، بل مع الغرباء والبعداء والأعداء أيضاً، وهذا ما نشاهده في قصص المصلحين العظام.
وقد سيطر أحد أمراء المسلمين على منطقة بعد أن وقعت فيها حرب أهلية وقبض على جماعة من الضباط الذين كانوا يعدون من مجرمي الحرب، وحكمت المحكمة عليهم بالقتل، ولما كان من الضروري توقيع الرئيس الأعلى للدولة قدمت الورقة إليه لكي يوقع بالإعدام على هؤلاء، ولما أخذ الرئيس الأعلى – الصبور، الوفي، الحليم، العاقل – الورقة قذف بها إلى الأرض وقال: إن وجود هؤلاء الشباب الضباط فوق الأرض أحياءً خير من وجودهم تحت الأرض أمواتاً، قد عفوت عنهم، فأطلقوا سراحهم.
فتعجب الذين قدموا الورقة إليه، لكنهم كانوا مضطرين لتطبيق أوامره وهكذا ذهبوا وأطلقوا سراح هؤلاء الضباط، وبالفعل صار أولئك الضباط من أخلص الذين خدموا الإسلام، وخدموا وطنهم في حرب أخرى بعد ذلك تكفيراً لسيئاتهم السابقة.
فقال الرئيس: أرأيتم كيف كان الحلم والصبر والعفو والسلام؟ لو كنا أمرنا بقتل هؤلاء، فمن كان يقود هذا الجيش؟ ومن كان يهزم أعداءنا حين اصطدموا بنا؟
فالواجب أن يكون شعار الحركة السلام: السلام قولاً، السلام فعلاً، السلام كتابة، والسلام في كل موقع ومع كل الناس...
الاتزان ينتهي إلى السلام
لا يكون السلام، ولا يتحقق في الواقع الخارجي، إلا إذا كان تفكير الإنسان تفكيراً متزناً، وعمله عملاً متزناً بعيداً عن المراهنات والاعتباطات والإفراطات والتفريطات.
أما أن يرى الإنسان كل خير وفضيلة في نفسه ومجموعته، ويرى الآخرين مجردين عن الفضيلة، بل ويراهم منغمسين في الرذيلة. فهذا الفكر لابد أن ينتهي إلى غير السلام.. إلى العداوة، البغضاء، الشنآن، الهمز، اللمز... ومن المعروف أن ثلاثة أشياء قليلها كثير وحقيرها كبير: النار والعداوة والمرض، فعود ثقاب صغير يحرق مخزناً من الخشب فيه عشرات الأطنان، وربما ينتهي مرض صغير بصاحبه إلى الموت، وربما أدت عداوة صغيرة ناشئة من كلمة نابية أو شبهها إلى سفك الدماء.
لذا على الإنسان أن يفكر تفكيراً موزوناً حتى ينتهي إلى العمل الموزون، أما أن يفكر تفكيراً إفراطياً أو تفريطياً، فإن ذلك لا ينتهي إلا إلى العمل المنحرف، ثم العداوة والبغضاء.
فالنظر، السماع، اللفظ، الكتابة وما أشبه، إذا كانت منبعثة من قلب مليء بالخير والرحمة كان فيها الخير والرحمة، وبالعكس إذا كان القلب مليئاً بالشر والكذب وما أشبه، فإن اللسان وسائر الجوارح لا تعطي إلا من ذلك القلب. وهكذا علمنا عيسى عليه السلام أنه إن لم يكن الطرف الآخر من أهل الخير، فكن أنت من أهل الخير.
تلقين السلام
إن للتلقين أثراً كبيراً في داخل النفس، فالإنسان بطبيعته يغضب ويثور ويذكر معايب الآخرين، ويدخل مع الناس في صراع ونزاع وحقد وبغضاء وعداء ومقاطعة وما أشبه. فاللازم اجتثاث جذور هذه الأمور من قلب الإنسان ومن ثم من جوارحه، وذلك بالتلقين الدائم بأنه إنسان مسالم، حازم، عاقل، مفكر، مدبر، مدير، فإذا لقن نفسه بهذا التلقين في ليله ونهاره وشهره وسنته، فإنه يتطبع بطابع السلم...
وقد ورد في حديث: إن (أحق الأشياء بطول السجن اللسان). فعلى الإنسان أن يتعود على حفظ لسانه وحفظ قلبه.
وفي حديث آخر: (إذا رأيتم المؤمن صموتاً فاقتربوا منه فإنه يُلقّن الحكمة).
وكذلك يجب على الإنسان أن يكون حافظاً ليده، لقلمه، لحركته، لسكونه، ولكل شيء، حتى يتمكن من أن يقدم الأمة إلى الأمام.
اضافةتعليق
التعليقات