تحت قبة المحكمة، وقف المدين (ع/ ك) بعدما رفع التاجر(ف / ي) اوراقه الى المحكمة واتهامه بعدم دفع المستحقات المالية التي تم الاتفاق عليها، مما ادى الى تضخم المبلغ حتى وصل الى
(100) مليون دينار عراقي، لم يتمكن المدعو من دفع المبلغ بعدما وقع على تلك الاوراق حتى يضمن صاحب المال الدفع، مرت الايام ولم يتسلم ما اتفق عليه، لذا لم يجد غير المحكمة ليأخذ حقه، حضر المدعو والمدعى عليه امام حضرة القاضي، ولكن عادة في المحاكم يمشي القاضي على قانون البلد لا الشرع، حكم على (ع/ ك) بدفع المبلغ بالتقسيط الى ان ينتهي بشرط الكفالة ولا يدخل السجن بسب تلك الارباح المحرمة.
"ان المادة (465) من قانون العقوبات النافذ، يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تزيد على الف دينار او بإحدى هاتين العقوبتين من اقرض اخر نقودا بأي طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد الاقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونا، وتكون العقوبة السجن المؤقت بما لا يزيد على عشر سنوات اذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الاولى خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الاول نهائيا.
وقد عدل الغرامات بموجب قانون التعديل رقم 6 لسنة (2008) وكذلك عدلت المادة (465) الخاصة بموضوع الربا بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم68 في (23/6/1998) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات كل من اقرض نقودا بأي طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد المقرر قانونا وتعتبر هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف".
ما الذي دفع هذا الرجل الى هذه المعاملة الربوية، هل هي الحاجة، ام الرغبة في الدخول الى عالم الاموال الطائلة، والعيش في رفاهية، وان كانت سعادة مؤقتة؟!.
نلاحظ اليوم وجود الربا في الاسواق التجارية وبين التجار حتى اعتاد الناس على هذه المعاملة وأخذ البعض يزيد من ارباحه ولايهمه الامر، ما يهمه هو جمع المال وزيادة النسبة، من دون معرفة الضرر الذي يصيب الاخر والمجتمع من اثر تلك الترسبات المالية، فكلما تأخر المدين بدفع المبلغ يزداد المبلغ وقد يصل الى الملايين، في هذه الحالة يبدأ المدين بالقرض او بيع ممتلكاته او السجن ان لم يدفع المبلغ، ففي القانون العام يحق له المطالبة بتلك الارباح، وفي الشرع فهي معاملة محرمة ولا يجوز اخذ المال او دفع الارباح وهذا ما اتفقت عليه جميع الاديان السماوية لما فيه من مضرة اجتماعية ومفسدة اخلاقية..
فقد حرمت اليهودية والمسيحية الربا، فقد جاء في الكتاب المقدس (العهد القديم): "إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا" (سفر الخروج، 22- 25) وفي العهد الجديد:" اقرضوا وأنتم لاترجون شيئا فيكون أجركم عظيماً"، إنجيل لوقا الاصحاح السادس (34-35).
وهناك الكثير من الجرائم التي سجلت حول هذا الموضوع، منها القتل فعندما لا يسدد المال يدفعه الشيطان الى قتله والخلاص منه حتى لا يضايقه بالدفع، او الهروب فقد سمعنا عن هروب بعض الاشخاص المعروفين في المجتمع بعدما تراكمت عليه الفوائد، وقد يدفعه الامر الى السرقة او النصب على الاخرين، و تعددت الاسباب والامر واحد وهو الربا.
محاربة الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية
جاء في القرآن الكريم 12 آية حول الربا، آية مكية في سورة الروم كانت أول آية تليت حول هذا الموضوع قال الله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون).
ورد عن النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) أنه قال: ”لا يرحم الله من لا يرحم الناس“ وقال علي (عليه السلام) في كلام له: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: يا علي أنّ القوم سيفتنون بأموالهم، إلى أن قال: ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، يستحلّون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهديّة، والربا بالبيع.
(لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء).
وفي قصة عن النبي صلّى الله عليه واله وسلّم يقول: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مُقَدَّسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النّهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرّجل الذي في النّهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرّجل بحجر في فيه، فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النّهر آكل الرّبا).
الاستفتاءات الشرعية حول المعاملة الصحيحة في البنوك عند الشيعة
السؤال: قد تداول في سوق الذهب بيع الذهب حالاً بمثله مع الضميمة مؤجلاً فيباع كيلو غرام من الذهب الآن بكيلو غرام منه مع مليون دينار يسلّمان بعد ستة أشهر، فهل من سبيل الى تصحيح هذا البيع للتخلص من الربا الواقع فيه؟
الجواب: في مفروض السؤال يمكن التخلص من الربا بأحد طريقين:
١- أن يبيع نقداً الذهب بثمن يساوي قيمة الكيلو فعلاً مع ضميمة المليون، فلو كانت قيمة الكيلو تعادل عشرة ملايين باعه بأحد عشر مليوناً حالاً بشرط ان يبيعه المشتري بهذا الثمن الذي في ذمته كيلو ومائة غرام من الذهب على ان يسلّمه له بعد ستة اشهر، وبعد ذلك على المشتري ان يفي بالشرط ويبيعه الذهب بالكيفية المذكورة في متن العقد الا أنه لا يترتب على عدم وفائه بالشرط سوى الأتم.
٢- ان تجري معاملتان منفصلتان احداهما معاملة نقدية يكون المبيع فيها كيلوغرام من الذهب وثمنه مجموع القيمة الفعلية لذلك مع ضميمة المليون فلو كانت القيمة الفعلية له عشرة ملايين كان الثمن في هذه المعاملة أحد عشر مليوناً في ذمة المشتري وثانيتهما معاملة سَلَم يكون المبيع فيها ذهباً بقيمة الثمن المذكور في المعاملة الاولى أي ما يعادل كيلو ومائة غرام من الذهب تقريباً يسلّم بعد ستة اشهر من هذا العقد، ويكون ثمنه ما في ذمة المشتري الذي صار بائعاً في هذه المعاملة فيحتسب ما في ذمته ثمناً لهذا المبيع.
السؤال: هل يجوز اعطاء الطحين الى الخباز واخذ بدله خبزاً علماً بأن تحديد الوزن غير ممكن وقد يكون اقل او اكثر علماً بأن الخباز يأخذ اجراً على كل رغيف هذا محل ابتلائنا في هذا الوقت؟
الجواب: هذه المعاملة لا تخلو عن شبهة الربا فالاحوط لزوماً الاجتناب عنها ويمكن التخلص ببيع الطحين اولاً بمبلغ ازيد.
السؤال: ما هو حكم ايداع مبلغ من المال لدى تاجر عن طريق وسيطٍ له، وذلك من اجل تشغيل ذلك المال عند التاجر واخذ ارباحٍ منه بعد مرور عشرة اشهر.
ان مهمة الوسيط هو جمع المال من الناس واعطاؤه للتاجر كدفعة واحدة لتسهيل الامر على التاجر، و يكون الاتفاق بأن يضمن الوسيط نسبة (٨٠%) الى (١٠٠%) من راس المال ارباحاً للمودع بعد مرور عشرة اشهر وهو بدوره (الوسيط) يأخذ بين(٣٠%) الى (٥٠%) من رأس مال المودع علاوة على النسب المذكورة من التاجر كأتعاب له، فما هو حكم هذه المعاملة التجارية والتي يدخل فيها كل من التاجر والوسيط والمودع؟ وهل يصح للتاجر ان يضمن رأس المال للمودع في حال الخسارة ان هو تعهد بذلك؟
الجواب: هذا ربا ولا يجوز اخذه من المسلم نعم يجوز ان يتعامل المودع والتاجر على اساس نسبة من الربح لا نسبة من رأس المال وهذه هي المضاربة ولكي يضمن الربح المذكور يمكنه اشتراط الأمور التالية ضمن العقد:
١ـ ان يتعهد التاجر بتكميل المبلغ الى المقدار المطلوب وهو ٨٠% مثلاً من راس المال من ماله اذا كانت نسبة الربح اقل منه.
٢ـ ان يكون التاجر وكيلاً من قبل المودع بأن يصالح نفسه بمبادلة النسبة المذكورة من الربح بالمقدار المطلوب في ما اذا احتمل كونها اكثر من ذلك.
٣ـ ان يتعهد التاجر ان يدفع للمودع من ماله الخاص مقدار مااخذ منه للمضاربة اذا خسر المبلغ او تلف كلاً او بعضاً.
اضرار الربا في المجتمع
1. زرع الضغينة والكراهية بين افراد المجتمع .
2. الضرر الاقتصادي الذي يصيب الشارع اثر تراكم الاموال والفوائد مما يسبب عجزا في الحركة الاقتصادية في البلد.
3. كثرة الجرائم والسرقة بسبب الديون مما يجعل المجتمع في حالة من الخوف ويكون فاقدا الامان.
4. احتكار الاموال عند طبقة من الناس مما يمنع من تناولها بيد الجميع وتبقى في حوزتهم.
فوائد القروض الخيرية في المجتمع
على العكس ما قد سبق لو كان التجار فكروا قليلا في الربح المبارك لساعدوا الكثير من العوائل بفتح باب القروض الخيرية بضمانات من اجل تزويج الشباب وفتح المشاريع التي تساعدهم في بناء مجتمع مزدهر بعيدا عن الاحتكار والضغينة.
_دفع المستحقات، لو دفع الناس ما في ذمتهم من الزكاة والخمس لما اضطر الفقراء الى الديون ودخول في الحرام.
_دفع الضرائب والقطعات التي تقع على التجار وتقسم على لجان الخيرية لتوزيعها.
_محاسبة التجار في اموالهم ومراقبة الاموال المستودعة في البنوك، ومنع المعاملة الربوية في المصارف والشراكات الاهلية حتى يعيش الجميع براحة وسلامة بعيدا عن اكل الحرام واثاره.
وفي حديث عن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم): (ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِنَ الحلال أم مِنَ الحرام).
اضافةتعليق
التعليقات