كلما عرف الانسان قيمته ارتقى بعمله وكان أقوى
للنهل والغرف من المعرفة الحقة ومن أجل الارتقاء بعمل المؤسسات وتطويرها وتحصيل الأثر الطيب من تواجدها، ولما من أثر كبير وفائدة من مجالسة العلماء والاستماع لهم والاستفادة من مواعظهم في تحسين مستوى الأداء والرقي بالذات والعمل.
في لقاء لسماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي للهيئات الادارية لجمع من المؤسسات النسوية في كربلاء المقدسة يوم الخميس المصادف 2 ربيع الثاني 1439 هـ الموافق 23/12/2017 م.
ابتدأ سماحته حديثه بالآية القرآنية الشريفة:
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
حيث قال بأن هذه الآية، آية مفتاحية مفصلية تضع الفارق والمائز الأساسي والجوهري بين المؤمن وبين المنافق؛ فيجب أن تكون نُصب أعيننا دائماً آناء الليل واطراف النهار.
فهي مقياس جوهري، حقيقي، لِنُشخص أنفسنا والآخرين، فإذا أراد الانسان أن يعرف هل هو من أهل الجنة أو لا ؟ أو هل أسس بنيانه على ما يرضي الله أو لا، فهذه الآية نِعم المقياس لذلك.
فالآية الشريفة تضع مقياسين للمعرفة هما: الأول: أفمن اسس بنيانه على تقوى، والثاني: على رضوان، والرضوان يكون مُتدرج مُتصاعد في مراتب الكمال. فعلينا في كل لحظة وكل دقيقة، ان نقيس ايماننا بهذين المقياسين.
أفمن اسس بنيانه، البنيان الحياتي والمعرفي والفكري والعقدي، وكل انسان له بنيان والبنيان له عمق وجذور. والحد الأدنى هو أن يلتزم بكافة الأوامر ويتجنب كافة النواهي.
وبيّن سماحة الشيرازي بأن الآية تدور حول محورين:
أولهما التعاون على البر والتقوى وهو واجب شرعي وتركه خلاف التقوى حيث من الغرابة إن الكثير منا لا يعرف هذه المسألة، فنحن نعلم ان صلاة الصبح والزكاة والخمس والحج كلها واجبة، لكن لا نعلم ان التعاون واجب بل نتصوره شيء كمالي وجمالي.
والمؤسسات لا تتفكك ولا تضعف الا عنما تضعف روح التعاون فيها بل تكون الأنا هي مسيطرة. وان الاختلافات الفكرية والاختلافات الذوقية السلائقية واختلاف المصالح هذه الأسباب أساس هدم التعاون، وقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، (تعاونوا) صيغة امر تدل على الوجوب، وهي آية واضحة في الوجوب، بينما التعاون على الاثم والعدوان حرام ولايجوز.
وأوضح سماحته بأن البر والتقوى قسمان تارة يكونان واجبين فالتعاون على أثرهما يكون واجب، وتارة يكونان مستحبين فالتعاون يكون مستحب. فمثلاً التعاون لهداية الناس ودفع الأذى واجب، فيكون التعاون واجب على حسب المتعاون عليه. ومستحب بحسبه أيضاً فالتعاون مثلاً للالتزام بصلاة الليل هذا مستحب.
ثانيهما (الرضوان) وهو درجة اعلى من التقوى، وعلينا أن نبغي الدرجات العُلا، والرضوان يُفسر بأحد تفسيراته بانه أعلى درجات الرضا. ومن سبله أن تسيروا في الدرجات العليا عمليا، وتُحيطوا بالمعرفة في كافة الجوانب نظريا.
ثم تطرق سماحته الى قول الامام الباقر (عليه السلام) لولده الصادق عليه السلام: يا بني !.. اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان.
فهل أنتم مُطلعين على رواياتهم عليهم السلام، وكم رواية أنتم بها عارفون؟ وفي اطرافها تتأملون؟ ان من أراد التطوير عليه أن يُطالع كل يوم رواياتهم صلوات الله عليهم بتدبر فإن لم يحفظها فليفهمها.
وأكد سماحته على أهمية التماسك وازدياد اللحمة بين المؤسسات، ومن الرضوان أن تتفقهن وتتساميْنَ في المعرفة.
ولخص الكلام ب: النقطة الأولى: إن طريق معرفة الانسان أنه من أهل الجنة أم لا، هو ان يراقب نفسه في الجانبين الأساسيين: التقوى ومن مصاديقها التعاون والرضوان ومن مصاديقه التطوير في معرفة النفس والدين والباري عزوجل ومن محرزاته تطوير الأداء في هداية الناس وارشادهم في ادارة المؤسسات والناس. وكلما عرف الانسان قيمته ارتقى بعمله وكان أقوى.
وأشار سماحته بإضاءة عن احدى اسرار قوة الحوزات العلمية وهي اسرار متعددة، لكن أهم سر والذي مشى عليه الغرب أيضا، هو تزريق الدماء الجديدة، وجذب واستقطاب الأنفار الجديدة واعتبارها عضواً حقيقيا منها، فالحوزة لا تعرف القوميات بل هي مبنية على الهضم (هضم واستيعاب الوجوه الجديدة على اختلافها) وامريكا هكذا أيضاً تعلمت أن لا تعرف الحدود والقوميات بل تلغيها بشروط معينة اما الحوزة فتلغيها بلا شروط.
وهكذا كانت وصيته حفظه الله تعالى للمؤسسات كافة:
فإن أحببتم فعلاً أن تتقدموا وتحققوا اختراقات واقعية فعليكم بتزريق الدماء الجديدة وأن تنسوا القوميات واللونيات والجغرافيات ومختلف الحواجز النفسية مع الآخرين.
وعليكم بالتعاون فيما بينكم وتطوير أنفسكم وزيادة معارفكم، لترتقوا وتتركوا أثراً طيباً مباركاً في المجتمع.
وأنهى سماحته الحديث بالدعاء للجميع بالتوفيق لكل ما يرضاه تعالى ويُقرب إليه.
اضافةتعليق
التعليقات