لم يشتهي ان يتصفّح كتابا منذ مدة طويلة، وكأن نهمه للكتب قد قلّ تدريجياً، لم يكن يوماً يمر عليه إلاّ واستزاد حكمة او معلومة، لكن الان لم تكن المعلومات تهمّه بقدر مايسعى لكسب الاموال والتجارة، وبقية يومه يشغله بإرسال تعليق لهذا او ذاك على مواقع التواصل الاجتماعي و لم يخطر له ان الكتاب سيخرجه من مأزق في يوم ما.
مكتبته التي اعتاد ترتيبها في السابق أصبحت مبعثرة، كان سهل عليه ايجاد مبتغاه لشدة ترتيبها وتنظيمها.
خرج ذات يوم لكسب رزقه، فعرض عليه صديق له صفقة في التجارة التي لم يخض غمارها يوماً،
لمعت الفكرة في ذهنه وقال في نفسه: ان لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب فاستطيع صنع تلك الملعقه بذكائي.
في اليوم التالي عقد الصفقة التجارية الأولى في حياته، توالت عليه الأرباح ولمع نجمه في السماء، ولكن لم يدم ذلك طويلاً، بضربة تجارية فاشلة خسر امواله ولم يتحمّل ما ألم به، شعر بأن السماء سقطت على رأسه، وقع طريح الفراش حزيناً على فقدانه ملعقته الذهبية، اصابته بجلطة دماغية وجعلت منه مجرد تاجر خاسر ومُقعد تعيس يثير الشفقة.
. لم يعلم ان خسارته بدأت من وقت طويل ولكن اغلب من يخسر تلك الخسارة لا يشعر بها
نظر لمكتبته التي اخذ الغبار منها مأخذه كحال سنين عمره التي اغبّرت،
كان يتصوّر انّ فقده لماله أوصله لهذه الدرجة ولم يعلم انه لو تسلّح قبل فقده لهان عليه، فالكل في النهايه راحلون، الأموال و الأحبّة وكل شيء.
نفض التراب عن كتاب امامه، أوراقه الصفراء توحي بقدمه، رائحة الكتاب تدغدغ انفه وكأن ذلك الكتاب تعطّر بعطره المميز لاستقبال صديق قديم.
قلّب صفحات كتابه، انه دراسه تخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوم مبعثه الشريف، كان عمر الرسول عند نزول الوحي عليه اربعين عاماً،
تساءل في نفسه، لماذا هذا العمر بالذات.. انا في هذا العمر خسرت تجارتي والرسول أُنزل عليه الوحي في عمر الاربعين، عجيب.
كان الرسول يذهب في عزلته المشهودة الى ذلك الغار، يتفكّر ويتفكّر لسنين وسنين، فالتفكّر هو مصدر للارتقاء والتكامل،
، على النقيض منه فانه ترك التفكّر لسنوات وسنوات لم يكن يهمّه امر سوى ارباحه
اصبح فكره الان مشغولا بطيات تلك الاوراق الصفراء، قرأ عن الرسول (ص) وكيف انه أعطى أمواله لفقراء مكة ومن ثم ذهب لذلك الغار لكي لا يشغله شيئاً عن محبوبه.
بعد ان غاص التاجر في طيات الكتاب، علم انّ في عمر الاربعين يتكامل الانسان في جميع قواه العقليه والجسدية.
لذا كان هذا العدد هو رمز للتكامل، فقد واعد الله نبيه موسى ثلاثين ليلة وأتمّها بعشر، فاصبحت اربعين ليلة، ومعظم كتب الادعية توصي بقراءة الادعية لأربعين يوماً على الاقل، ولكن ماالذي اكتسبه خلال اربعين عاماً من حياته.
أوّل سورة نزلت في ذلك الغار هي سورة العلق وأوّل آية فيها هي اقرأ.
تذكّر تدهور أوضاعه بعد تركه للقراءة، فلو انه كان اقوى من الداخل لما وصل به الحال على هذا الكرسي المتحرك.
أعاد ترتيب كتبه، وأصبح للعدد اربعون مكانة في نفسه، ولكلمة اقرأ عمقها الخاص فنحن بالتالي أمّة اقرأ.
اضافةتعليق
التعليقات