وجدت على مدى التاريخ دائماً نساء دفعتهن الضرورات الاقتصادية والاجتماعية إلى العمل والنشاط الاقتصادي. فالقرن الأخير يختلف عن القرون الماضية، في أن التغييرات البنيوية التي حصلت في المجال الاقتصادي، أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية، وتغيير نموذج الاستهلاك، وجعلت عمل المرأة أكثر ضرورة من السابق. ويضاف إلى ذلك، أن التغييرات الاجتماعية والثقافية، حوّلت العمل من حاجة اقتصادية لبعض النساء إلى «مطلب» بالنسبة إلى الكثيرين منه وعمل المرأة في الوقت الحاضر، هو من المواضيع واسعة النطاق على صعيد مفاهيم التنمية، وفي مجال العلوم الاجتماعية. فالاستعانة بالقوة العاملة النسائية في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتأثيرها على المشاركة الاقتصادية للمرأة، ينظر إليها كمؤشر للتطور في مجال التنمية.
كما إن علم الاجتماع يدرس التأثير المتبادل لعمل المرأة والهوية الجنسانية، وكذلك نموذج فصل الأدوار، وبنية الأسرة وأساليب الحياة وفي هذا السياق، فإن علم اجتماع الأسرة قد اهتم، أكثر من سائر فروع علم الاجتماع بدراسة موضوع عمل المرأة.
فخبراء العلوم الاجتماعية الأخرى مهتمون أيضاً بدراسة هذا الموضوع أيضاً كما إن خبراء علم الاقتصاد يتناولون أكثر من غيرهم موضوع عمل المرأة وذلك بسبب تأثيره على نموذج الإنتاج، والتوزيع والاستهلاك الاقتصادي للأسرة، وكذلك تأثيره على الاقتصادين الوطني والعالمي.
وإن علماء النفس مهتمون كذلك بدراسة التأثيرات الإيجابية والسلبية للعمل أي تأثيره على الشعور بالاعتداد بالنفس والنجاح والسعادة، والتأثيرات النفسية للضغوط الناجمة عن الأدوار المختلفة التي تقوم بها المرأة والتضاد الموجود بين دورها في الأسرة ودورها في العمل فعمل المرأة باعتباره قضية اجتماعية، هو موضوع مرتبط بفروع عدة ذات علاقة بالمجالات الثقافية والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية والحقوقية. فمضافاً إلى هواجس العلماء في المجالات آنفة الذكر، فإن دراسة موضوع عمل المرأة بالنسبة إلى الحركات الداعية إلى المساواة بين الجنسين سياسياً واقتصادياً، تعتبر أيضاً موضوعاً جذاباً وغاية في الأهمية بالنسبة إلى الموجة الثانية من هذه الحركات، فمن وجهة نظر هذه الحركات فإن القدرة الشخصية والكرامة تأتيان من الأنشطة خارج المنزل في المجتمعات المعاصرة وهي تعتقد أنه يجب على النساء المشاركة في الشؤون الاقتصادية للحصول على هذه الامتيازات بشكل متساوٍ.
وتهتم هذه الحركات بالعلاقة بين العمل وتحرر المرأة، والترابط ما بين عمل المرأة والتقسيم الجنساني للعمل في المنزل والمجتمع وقد أبدى دعاة المساواة بين الجنسين من الماركسيين، اهتماماً خاصاً بموضوع علاقة موقع المرأة في سوق العمل باحتياجات الرأسمالية أما رواد هذه الحركة من الليبراليين، فقد ركزوا على الإجابة عن هذا السؤال، وهو كيف أن الرجال يعززون من مواقعهم من خلال فرض العمل المنزلي على النساء ومنعهن من الدخول إلى معترك الحياة العامة وكذلك الأساليب التي يتبعها أرباب العمل من الرجال والاتحادات العمالية التي يسيطر عليها الرجال للتحكم بالنساء العاملات، فمن وجهة نظر المطالبين بالمساواة بين الجنسين، فإن عمل المرأة هو عامل مهم بإمكانه تغيير العلاقات بين الأب والأم وتغيير نظرة الأولاد إلى النموذج الجنساني لتقسيم العمل من خلال تقديم نموذج جديد وإزالة النظرة التقليدية من أذهانهم، كما يمكن للقوة الاقتصادية للنساء والتي تعزز ثقتهن بأنفسهن وتزيد من إمكانياتهن المادية، تغيير توازنات السلطة الاجتماعية لصالحهن فإذا أردنا النظر إلى موضوع عمل المرأة من موقع الخبير الديني الذي يتولى مسؤولية تحليل الظواهر الاجتماعية، ونقد السياسات والبرامج علمياً، وبيان وجهة نظر الإسلام، وتقديم مبادئ وسياسات دينية، نرى أن موضوع عمل المرأة أمرٌ مهم نظراً إلى أسبابه وعوامله وآثاره ونتائجه؛ لأن العمل ومن خلال علاقة ثنائية يؤثر على تطور الهوية الجنسانية ويتأثر بهذه الهوية أيضاً.
لذا يمكن لنا توقع تأثير عمل المرأة على قيم المجتمع النسوي وكذلك على قيم المجتمع الذكوري أيضاً، الأمر الذي يترك أثراً كبيراً على الفرد والأسرة وكذلك على العلاقات الاجتماعية ومضافاً إلى ذلك، فمن وجهة النظر الدينية أيضاً، فإن عمل المرأة وبسبب تأثيره على المرأة جسدياً وروحياً وعلى علاقاتها الزوجية وأمومتها، وعلى اقتصاد الأسرة والاقتصاد الوطني، على عدد السكان، وعلى المجتمع عموماً.
فإنه ليس بالموضوع الذي يمكن تجاوزه بسهولة وفي الجانب الآخر، فإن تأكيد مجموعة من مدراء النظام ومسؤوليه والشرائح المتدينة والمثقفة على ضرورة حضور المرأة في المجالات والميادين الاقتصادية وإعطاء الأولوية لذلك، تضاعف من ضرورة دراسة هذا الموضوع.
اضافةتعليق
التعليقات