وحيدة جاثية أمام قبور اولادها، تمسح دموعا سخية، تسيل على وجنتيها، النار التهمت بعض من حجابها، محدودبة الظهر، الظلام يحيط بالمقبرة، عينياها لم تعد طرية فهنالك اثر ضرب ظاهر عليها، ابواب المحاجر مغلقة، فصوت اوجاعها، قد علق على المقبرة لتغدو حزينة، الرؤية تكاد تنتحر في متاهة هذا الظلام، عقارب الساعة تبلغ ذروة الوجع، مازال الوقت مبكرا للرحيل عنهم، يعلوها نشيج كأنه الصدى يقارع السكون، تسمع همسا من بعيد!.
دبيب اقدام خائفة، يشد مسامعها الغافية، عند قبر ولدها المهدوم، يبدد الظلام، يبدد النشيج، بالتسابيح والتهليل، شيءهنالك قادم ، كأن القدوم لجبل، يطوي صفحته من الوقوف، لشدة اشتياقه لحضن ارضه، عباءة فيها من الطف علامة، ومن الشام ذكرى، ومن المخيم دخان، يد مقيدة، تلوح لتلك المرأة الجالسة من بعيد، يشدني اللقاء بينهما، عيون باكية والعتمة اخذت تكسر صمت الليل، بتسابيح الاضواء، في سمائها أسى، وقلبها يضج بشغف ،نثرت ايام عمرها كحبات عقد، واشعلت شمعة من وميض قلبها، فجفى بئر العيون من جمر اللقاء، فلم تعد تلك العيون زمزم، وعناقيد اشتياقها تعانقها، والقلب هائم لا ينصت، وهمسات لا تخفت، اوجاع لا يطويها الدهر.
أحاسيس مبعثرة من شتى بقاعِ الارض، عتمة مرافئ لقصائد ثكلى، لا يسمعها الملوك، تناغي اجسادا تحت الثرى، تقابلا في العزاء والنحيب، الام وابنتها فكان المأتم عند القبور.
تائهة انا في تلك البقاع، اطوي المسافات و ابحر فى ليلٍ لاينقضي والقلب أضناه الحنين، مخبأة خوفي في قارورة الزمن، العتمة تحادث السماء، اسفار الاهية تهبط واسفار ترفع في فوهة السماء، ثرثرتي في هذه البقاع، تعبق اركان منفسي.
وأصبح القلب عاجزا عن النبض كأن الروح قد انتهت من الجسد وكأن الزمن توقف عند هذا الحد، امرأتان تقيمان العزاء وليس هنالك قبور بل قطع تراب او ارض خالية ، ظلام يحيط بي يخنقني، يقتلني، أخذت أقلب عن خيط رفيع يدلني لمَ كل هذا العزاء هنا ولمَ تلك الحواجز؟! لا ليس هنالك فقط اسراب الحمام النائحة ؟؟ للحظة فقدت من كان معي من الحجيج وانتبهت انني وحيدة هنا عند الشابك الحديد، بحثت عن قلوب تطمئن لها النفس فلم أجد من مجيب، ليسمع حديثي و يحتضن دمعتي، لقد عدت لزاوية عمري، لاكمل لعزاء معهم، لحديث نفسي، لدمعة تسمع وتجيب، لألم يعتصر القلب ويقتلع الروح، لسراب يحدث ضجيجا في المكان، وحيدة في متاهات الدروب.
سمعت صوت من بعيد وكأنها تلك البنت الحزينة تنعى وتقول: نـوحی عـلـى الأولاد يـازهـرة الحزينة فـي كربلاء واحـد او واحـد في المدينة..
سمعت الام ما نعت به ابنتها، زاد بكائها واخذت تهيل التراب على رأسها، دمعات وزفرات وحرقة وصراخات، آه ثم آه، على القبور المهدمة بعدما كانت منار وعلما تضيئ ء سماء المدينة، من هذه الآه عرفت انها السيدة فاطمة الزهراء فهذه الآه سمعتها في كربلاء عند قبر الحسين واليوم عند قبر الحسن. واما زينب فقد جاءت تشارك امها في العزاء، ومواساة امها من ارض البقيع، ذلك المزار المهيب الذي اصبح الان قاعا صفصفا لاتكاد تعرف بوجود قبر، فضلا عن أن تعرف صاحبه، من اثار حقدهم الدفين، هدموا قباب الائمة.
(( يريدون أن يطفئوا نورالله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)).
*البقيع مقبرةٌ مقدسة في المدينة المنوّرة، وقد دُفن فيها اربعةٌ من الائمة الاطهار من اهل البيت سلام الله عليهم... وهم:
•الإمامُ الحسنُ المجتبى بنُ الإمامِ عليٍّ أميرِ المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
•الإمامُ زين العابدينَ عليُّ بنُ الحسينِ صلوات الله وسلامه عليه.
•الإمامُ محمدُ الباقرُ بن الإمامِ زين العابدينَ صلوات الله وسلامه عليه.
اضافةتعليق
التعليقات