هذه مقالة غاضبة أفتتحها بتساؤل متى يتم الاعتراف بالتنوع الموجود في الشخصيات ومسارات الحياة وحتى الظروف الصحية؟
يدهشني دوماً قدرة هذا المجتمع على الإصرار على قالب واحد يُفرض على الجميع، "يجب على الجميع أن…" ثم ضع بعد ذلك ما راق لك من الكلمات التي تمثل أفكاراً أو أفعالاً هي بحد ذاتها مقبولة، ولكن تحدث المشكلة عندما تأتي جملة "يجب على الجميع" فتجعل كل من هو خارج هذه الحدود شخصاً غريباً لا ينتمي إلى أي شيء، كيان غير قيم وغير مرحب به.
نحن هنا لا نتحدث عن أي اعوجاج بالفكر أو تراجع في الكرامة الإنسانية نتحدث عن الأمور الطبيعية الكبرى والصغرى التي تفرض فرضاً على الجميع في مجتمعنا، حتى أصبحت الحيوات والشخصيات كلها تتشابه دون تميز، كل الأسئلة والإجابات كأنك سمعتها من قبل، كل المواقف كأنك عشتها، كل الأشخاص وكأنك التقيتهم.
الجميع يشعر بالضغط من هذه المنظومة ولكنه مجبور تحت تأثير الضغط الجمعي أن يساير الأمر وإلا سيشعر أنه غير مرحب به.
جميع أصحاب الدرجات العالية عليهم أن يدرسوا الطب أو الصيدلة، الجميع عليه أن يتزوج في سن ما، الجميع يجب أن يرغب بابن ذكر، جميع الأشخاص عليهم اتباع حمية، جميع النساء عليهن زيارة طبيب تجميل، أزياء معينة وألوان معينة يجب عليكَ ارتداؤها وفقاً للصيحات، نبرة معينة من الصوت عليك أن تتحلى به، وكلمات معينة فقط عليك أن تنطق بها، ورد فعل معين متوقع منك، وهلم جراً.
كل الحياة المبهجة الأصيلة التي تنتظرنا قابعة خلف ما على الجميع حتماً فعله بكل التغيرات التي تجلبها الثورة العقلانية ضد الأنظمة الاجتماعية الثقيلة التي ما عادت تخدم أحداً.
وهنا بجدر بنا أن نؤكد على أن ما يجب علينا جميعاً فعله ليس بالضرورة سيئاً أو خاطئاً وليس علينا أن أن ننفر منه بل أن نجد تنويعاتنا المناسبة المستلة من تلك المنظومة، فقد كانت بعض أجزاء هذه المنظومة عاملة لمئات السنوات على الأقل وخدمت المليارات لسبب وجيه، إلا أن السبب نسيناه مع الزمن وبقي لدينا الفعل الخالي من المعنى، مثل وجوب إحضار هدايا في المناسبات الاجتماعية، والغاية من الأمر الوصل والتكافل الاجتماعي وهو أمر في غاية الرقي ولكن الأفراد نسوا ذلك، وأصبح الأمر خالياً من المعنى، وقد يكون سبباً لإفساد علاقات طويلة.
إما إن كانت عادات أو تفاصيل دخيلة وجديدة ولكنها أصبحت جزءاً من المنظومة الحديثة كتصوير كل شيء ونشره لتكوين صورة اجتماعية حسنة، فهنا خذ فقط ما يتسق من الأمر مع مجموعة القيم التي اخترتها لنفسك.
ما يثير الاستغراب هو وجود أشخاص لا يقبلون أن يقيدوا بقيد ولكنهم يشرعون بتقييد الآخرين بلا خجل أو إخفاء، كأنهم يقولون نحن فوق كل منظومة والآخرون لا يمتلكون ما يؤهلهم لأن يكونوا بمنزلتنا.
أنا مريض ويجب على الجميع تفهم حالتي ومراعاتي، أما الآخر فعليه أن يجاري من حوله، ويعمل دون توقف، فمرضه ليس مسؤولية من حوله، أنا حزين ويجب أن أظهر حزني، والآخر يجب أن يخفي حزنه فليس حزنه مشكلتي.
أي إن منظومة "يجب على الجميع أن…" يضعها أشخاص ليجعلوا الآخرين يتصرفون وفق رغباتهم مما يحقق لهم الرضا والفائدة، وهم أنفسهم لا يلتزمون بها، بل قد يجدونها غير ذات قيمة، ففي عالم النساء مثلاً تحكم إحداهن على الأخريات بأنهن وقحات لأنهن طالبن بحقوقهن الأساسية، ولكنها الشخص الأكثر فجاجة في المطالبة بما تريد وإن لم يكن من حقها، الأمر ذاته بأشكال مختلفة تراه في عالم الرجال.
وحتى تنتهي هذه الفوضى عليك أن تكون كن كما أنتَ، وأن تستمر في رقابة ذاتك وإنمائها وفق نواميس العقل والمنطق والخلق الحسن والدين، وأن تتيقن من عدم حكمك على الآخرين، فلكل منا مساره في الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات