تجول بنا الحياة بين محطاتها المُتضاربة ونجول نحن بأنفسنا حيث تصبو والعكس غالب، نعتاد اليوم كسائر الأيام بما يحمل، حتى يثقل الحمل مع دوران عقرب الثواني خلسة، لا نشعر بزيادته واختلافه غير عارفين مدى قوة تحملنا ومتى يشاء السقوط..
نُسَوّف ما نود انجازه من أهم إلى مهم ونبقى في حالة دوران والتفاف حول ما نحن فيه بلا تغَيُر أو تحرر . بينما كنا عليه بالأمس وما أصبحنا فيه اليوم، شسوع الفرق واضحة عند البعض و الآخر غير آبه..
العائلة، العمل، الوقت وكل من حولنا في انشغال وتلاشٍ أزلي، قد نعرف ما نمارسه وما يُمارس علينا في كل حين بيد أن بعض الفوارق لا يمكن تخطيها ولا بد لنا أن نعود أدراجنا كي نتدارك ما فات واختلف وندرك ما ترتب عليه قبل فوات الأوان مرة أخرى..!
تحكمنا ثلاثة أمور حتمية، الأول والثاني يُفرَضان برضا والثالث قد نرغم عليه ونتقبله على مضض، بينما الأجدر بنا التوقف والرفض القاطع التام حيث تجنبنا العودة إلى نقطة البداية خسارة أنفسنا في نهاية المطاف..!
"الاعتياد" و"التعلق" من الأمور المرعبة التي لا نرى قباحة وجهها إن كانت مرتبطة بالأشخاص أو العادات الزَلْقَة، انصياعنا وتمسكنا الوبيل يجعلنا نبرر ما نتلقاه من صفعات وخدوش إلى أن تتراكم وتصبح أورامًا وجروح نألف ترادفها حتى يصل بنا الحال إلى الأمر الثالث ألا وهو "الاستسلام "..!
قال تعالى في سورة البقرة آية ٢٨٦:- (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). هنا وعند نقطة بداية النهاية لأي ظرف مؤلم نمر به فوق تحملنا، وجب علينا التوقف والصمود فلا بد لنا من عَوْدَة نلملم بها شتات الروح وما تبقى من فُتات الأمل، نستحضر ماضينا المزهر وذكرياتنا الجميلة والسلام الذي فارقناه مذ تخلينا عما أردنا أن نكون عليه وعن شغفنا الحقيقي في الحياة..!
بثلاث قواعد أساسية نعيد بها بناء أنفسنا ونخرج من هذا المعترك منتصرين بعد التوكل على الله والتحلي بالصبر، أولها "التغيير "ومن ثم "التخلي" وأخيرًا "البدء من جديد".
هنا القرار والثبات على القرار هو الفاصل المُعتمد، الإصرار على تغيير ما اعتدنا عليه من نمط خاطئ أو روتين غير نافع أو أسلوب التعامل المُتراخي مع الآخر ووو....
كل ما نعيشه بحاجة لوضع حدود وخطوط حمراء، وممكن تطبيق قانون الأخذ مقابل العطاء في بعض الأمور، وتبادل الأدوار بين الفينة والأخرى وما إلى ذلك، كل هذا سيعطينا الشعور بالراحة والاستقرار الفكري والعاطفي، ويحفزنا للإنتقال إلى القاعدة الثانية..
العلاقات، العادات، ونوع العمل، كل ما يؤذينا يؤلمنا يشعرنا بالخوف وعدم الأمان ويقلل من احترامنا وتقديرنا ومايستنزف طاقتنا ونشعر معه بالاحباط والسوء بالمجمل، علينا "التخلي" عنه كُليًا بكل الطرق مهما كانت صعبة وقاسية، ففي أغلب الأحيان عندما نجد المقصود الجامح أمامنا نفقد السيطرة لوهلة ونتناسى ما سلف، تأخذنا سطوته بالارتباك فنلجأ للهروب! وهذا ما لا يمكن تجربته البتة، إنما علينا مواجهة وتجاهل و(محو) كل ما من شأنه اضعافنا كي نستطيع الانتقال للقاعدة الجوهرية الثالثة، حيث تقول الكاتبة إريكا يونغ : -"إن المهرب وهم، كلنا نعلم أننا نحملُ أنفسنا معنا أينما ذهبنا.!".
إننا نولد كل صباح، يوم جديد، ساعات جديدة، حالة طقس مختلفة، والكون كله في تجدد، لماذا نكون نحن المضطهدون وحدنا في حالة ركود؟ سؤال قاهر يخبىء بين طيات حروفه الحادة آلاف الإجابات المبعثرة بلا معنى!.
وهبنا الخالق تعالى حياة أخرى بعد كل ظلام يكسو هذه الأرض نستطيع اعادة وتأهيل كل ما تناثر فينا ولدينا عند أول ساعات الصباح، هو كذلك نحن قادرين على البدء من جديد عند كل اخفاقة ما دمنا نبصر النور..
كُلنا انسان، كُلنا كتلة من المشاعر والأحاسيس والأفكار، الجميع يستحق فرصة أخرى وهي متاحة مجانًا ودائمًا من عند خالق كريم لا يقنط من رحمته أحد، نحن بأنفسنا نترفع وبها نهوى، لنا الخيار دائمًا، يقول جبران خليل جبران: - "التعافي من المعاناة ليس كالتعافي من المرض، كثير من الناس لا يشفون بل يخرجون مختلفين".
وعليه يكون شرف المحاولة قد يكفي، كل منا لديه شغف ما ولديه ما يميزه عن غيره لا يوجد مخلوق خالٍ بلا مكنون نقي فطري يتفرد فيه، فلنترك ما يؤذينا خلفنا ونبدأ من جديد، ولنبحث دومًا عن أنفسنا ونقودها صوب الصلاح فلا شيء ولا أحد يستحق أن ننطفىء ببطىء وثبات لأجله، فمهما بلغ بنا العمر ومهما بلغنا من الوهن والحزن واليأس علينا المعرفة بإستمرار أن هناك عَوْدَة.
اضافةتعليق
التعليقات