الشيء الوحيد الذي علينا تقديمه للمجتمع هو أنفسنا، لذلك فإن العملية التأملية التي نستعيد فيها أنفسنا حقاً ونحن منعزلين، ليست قطعا أنانية، لكنها أفضل الهبات على الإطلاق التي يسعنا تقديمها للآخرين، إن معرفة نفسك ستساعدك على مواجهة وهمك الذاتي وتدفعك نحو الإسهام الفريد الذي يمكنك تقديمه وحدك.
إن القصص التي نؤمن بها عن كيفية جريان الأمور في العالم عادة ما تلعب دوراً مهما في مساعدتنا على تفسير معنى الأحداث، إنها توفر لك إطار عمل، رؤية عالمية نغربل من خلالها تجاربنا، ومن هذه الشاكلة تلك القصص التي نرويها لأنفسنا ونحكيها عن أنفسنا لأنها يمكن أن تكون محفزة أو قوى تحفيز أو قوى تحد من قدراتنا أو قوى مدمرة في اللحظة التي نكافح فيها لإطلاق العنان لأفضل أعمالنا، ومن المهم أن نكون على دراية ليس فقط بماهية هذه المعتقدات الراسخة، لكن أيضًا بكيفية تأثيرها في نشاطنا اليومي. وعند فعل هذا ووضع خريطة لأنشطتك فتحوم حول هذه المعرفة الذاتية، تكون قد امتلكت مفاتيح للنجاح الدائم.
وللتوضيح، فلتفكر في كيفية استجابتك للمشهد التخيلي التالي: تصور أنه تم إسناد مهمة لي ولك للتعاون في مشروع حيوي المستقبل في شركتنا، ولدينا مهلة فترة شهر لنؤدي العمل، واتفقنا في البداية على تقسيم مهام العمل بعدالة ولكنّك على مدار الأسابيع القليلة التالية أتممت عملك على أكمل وجه بينما تلكأت أنا عن أداء عملي، ولم أؤد مهامي، فكنت أغادر العمل باكراً وآتي متأخراً وأمضي عدة أيام للرد على البريد الإلكتروني العاجل الوارد منك حول المشروع، وفي النهاية بفضل تعويضاتك البطولية في العمل لتغطية عدم انضباطي، تحول المشروع إلى أفضل مما حلمت به الشركة في الأصل، ولسوء الحظ، جاء هذا على حسابك بقدر كبير، والآن أنت منهك ولست غاضباً ولو قليلاً بسبب أنني نقضت اتفاقنا الأصلي تماما.
وجاء اليوم الذي قررناه لتقديم المشروع لكامل القسم الذي نعمل فيه وبعد تقديمنا مباشرة، قفزت منذ بداية العرض إلى دائرة الضوء. وأجبت عن الأسئلة وأشرت إلى ذكاء وروعة الحل الذي توصلنا إليه وجعلت الأمر يبدو بشكل عام وكأني قوة دفع مساوية بل أكثر خلف هذا العمل، حققنا بعد ذلك نجاحاً وبعد العرض أخبرتنا مديرتنا أننا سنكافأ على مجهودنا بعلاوات متساوية.
كيف ستشعر حينها؟ سوف تشعر بإحباط كبير على الأرجح، وتكون محقاً حينها، إنه مثال للظلم في أعلى صوره فأنت من أدى كل العمل وكان لك الفضل في الكثير منه، ثم أتي أنا كي أكافأ معك على نفس القدر للأسف ليس هذا بالأمر نادر الحدوث في العديد من المؤسسات.
ما يهمنا هنا على أي حال، هو لماذا تشعر بالإحباط من تصرفي، في بداية المشروع عُهد إلينا بحل مشكلة ، وهو ما حققناه بالفعل وبالتأكيد فعلت الغالبية العظمى من العمل، لكن في النهاية ألم نصل إلى غرضنا؟
إن سبب إحباطك نابع من سبب أعمق هنا، فأنت تشعر أن خطأ شنيعاً اقترف حينما سرقت منك الأفضلية في عملك، وهذا يتعارض مع الكيفية التي ترى أنه يجب على العالم العمل بها .
فالقصة التي في مخيلتك وأحبطك عدم تحققها تقول: "العمل الشاق يجزى دوما بالخير".
وحينما يحيد الواقع عن هذا السرد بعض الشيء تشعر أن هناك ظُلماً يجب تصحيحه، ربما تذهب إلى مديرتك وتخبرها بالقصة الحقيقية، أو تبحث عن وسيلة تروي بها حكايات تتطرق إلى المشروع في محادثاتك أملاً في تصحيح مسار العرض الذي تم أو تربط بين هذا الأمر وبين درس تعلمته وتمضي قدما في حياتك .
وهذا مجرد مثال واحد يوضح كيف أن للمعتقدات الراسخة في داخلك والتي تتبناها عن مكان العمل وقدراتك وتحفيز أقرانك لك تؤثر كلها في سلوكك، ففي المثال أعلاه هناك نتيجة واضحة (كونياً) لهذا السرد، يجب أن تكافأ على عملك وربما تسمع قلة من الناس يقولون بأنك مخطئ إذا ما شعرت وكأني سرقت شيئاً منك، إلا أن هناك معتقدات أخرى أكثر حكمة يمكن أن تؤثر على الخيارات التي تجريها كل يوم، ويمكن في بعض الأحيان أن تقف بينك وبين قدرتك على المشاركة الكاملة في عملك .
إن التقدير بسبب العمل هو أثمن عمل، قد يدفعك هذا إلى فعل أي شيء ضروري للحصول على العرفان في عملك، أو من الممكن أن تنجرف إلى مسار من العمل تحصل فيه على أكبر قدر من التقدير وفي المثال أعلاه ربما يكون هذا هو السبب الذي دفعني إلى نسب الفضل في العمل الذي أديته أنت بالكامل إلى مجهوداتي على نحو سافر وربما بعفوية، وإن كنت تؤمن بهذا السرد دون وعي، فربما تركز على الأنشطة التي تحصل فيها على ردة فعل فورية وبالتالي ترفض الإسهام في عمل ضروري، لكنّ أهميته مستترة ومردوده المادي طويل المدى، ومن المحتمل أيضًا أن تحكم على نتائج عملك بناءً على ردود فعل الآخرين وحدها، وعلى هذا الأساس تنقطع صلتك بمقياس التميز في داخلك.
اضافةتعليق
التعليقات