دعتني صديقتي ليلة أمس لأن نترك انشغالاتنا لليلة واحدة ونجلس لنتحدث كما السابق صديقتان لا تشغلهما أمور العمل، كانت ليلة لطيفة بحق ابتداءً بضحكاتها التي جاءت بعد ذكر الفتيات التي كن معنا في نفس الصف الاعدادي، وانتهاءً بكوب القهوة الذي لم يعجبها حتى بات صوتها يصبح أكثر خشونة وكأن شيئا ما يضغط على حنجرتها وكالعادة تركتها لتسترسل بالحديث دونما ضغط مني.
أخبرتني عن شعور الخوف أو الاشمئزاز الذي يولده التعلق فيها، كان شكلها هذه المرة ليس كالمرة الأولى التي حدثتني فيها عن فارس أحلامها الذي عرفته مؤخرا فقد اختلفت لمعة عينها واختفى تورد وجنتيها وبات وجهها شاحبا بشكل غريب، هل ياترى شارفت على النهاية في قصتها، صراعات وخلافات مستمرة وتنازلات من طرف واحد في أغلب الوقت فقط للمحافظة عليه في موضع الخوف والاحتياج وقلة الوعي لتجعل من الشخص مسلوب الإرادة بسبب أن العقل اللاوعي خلق هذه الصورة الوهمية لتعيش فيها، هل من المعقول أننا غير قادرين أن نفرق بين مشاعر الحب والتعلق بعد كل هذه المواقف؟!
إنه محض شعور يتيح للشخص الهرب بجنون يحتل المخيلة ويرتمي في أحضان حلم يأخذه مدا وجزرا ثم يمتثل بهيئة قصيدة متحركة تزهر باستعارة وتثمر بوزن وقافية فيما يتوارى هو خلف الأوراق.
قشة الحب بين التعلق والعقل
إن الحبّ من الميول الفطرية المودعة في كل إنسان، وهو كامن في نفوس الجميع، ولا يمكن أن يخلو منه أي إنسان، وكل واحد منا يعلم حضوراً بوجود تعلق وانجذاب في قلبه، وإن اختلف هذا المتعلق بين شخص وآخر فالثابت المشترك بين الجميع هو أنهم يتعلقون بالكمال الذي يرونه بحسب اعتقادهم وتصورهم.
أما دور الحب فهو لا ينحصر فقط في طمأنينة الباطن وسكينته، بل للحب دور آخر أكثر أهمية فهو المسؤول عن جميع توجهات البشر وتحركاتهم، فالمحب سوف يسعى على الدوام إلى مشاكلة محبوبه في صفاته وشمائله وأفعاله، فإذا كان المحبوب وشمائله عظيمة رفيعة، اتجه وجوده وصفاته نحو المشاكلة التامة، فلا يبقى بينه وبين المحبوب أي فارق، وربما ما يحدث أيضا هو أنك عندما تقع في الحب فإنك تشعر بهوس شديد نحو الشخص الذي تحب، وليس شرطا أن يشكل الحب مشكلة حقيقية للانسان، إلا إن المشكلة الحقيقية تكمن في انتهاء حدود هذه العلاقة ليتكون مايسمى بالهوس، شيء ما يحاكي النفس فيؤدي إلى هاوية تلجأ فيها إلى كل السبل لتحقيق الوصال المنشود، فملاحقة انسان ما في سبيل الحب يعد مرضا نفسيا، ففي سؤال طرح على مختص علم النفس الاكلينيكي (فرانك تاليس) في احدى المقالات باعتباره قد عمل طيلة عقود مع مرضى يعانون حالة يطلق عليها "داء الحب"، هل تعتقد أن الحب مرض عقلي؟
أجاب: يمكن للحب أن يكون تجربة قوية ومفقدة للاتزان، فغالبا يترك انطباعا لدى من يمرون به بأنه ليس تجربة لطيفة في مجملها، تستطيعين القول إن الأفكار المتداولة حول الحب الرومانسي هي أفكار واهمة بالأساس، وذلك لأن الاعتقادات المصاحبة للحب الرومانسي لا تنسجم مع الواقع، إن الفكرة التي مفادها أن هناك شخصا مميزا في مكان ما ستسوقه الأقدار إليك تمثل أحد الاعتقادات القوية، وهي فكرة واهية تماما، إلا أنها إحدى الأفكار التي يؤمن بها الكثير من الناس، وهي فكرة رسختها هوليوود ورسخها أدب الخيال الرومانسي.
هل ركزت يوما أين أنت الآن وكم الخسارة في مقابل ظنك بأنه ربح محتم، فهناك أعراض وعلامات تظهر في الإنسان متفاوتة وهنا سوف يصبح مخيرا بين أن يعالج نفسه ويقوي مناعته أو يهمل هذه الأعراض فيشتد عليه المرض ربما إلى عواقب غير محمودة.
لذلك يجب أن تفيق من هذه المشاعر المتدنية وتدرك أن المشاعر العاطفية غير المحسومة هي البوابة نحو الأمراض النفسية والبدنية، فالحب شعور مقدس يجعل من الذات الانسانية تسمو إلى مراتب عالية لا تقع ضحية الخطيئة، ولا تؤدي إلى تعب بأي نوع كان، و بما أن للقلب الدور المركزي في صدور الأفعال كافة لهذا إذا صلح القلب صلح الإنسان ومن هنا نعرف معنى كلام الإمام الصادق (عليه السلام): "وهل الدين إلا الحبّ" ونقترب من جواب الإمام الباقر (عليه السلام) لسائل سأله إذا كان فيه خير أم لا، فقال (عليه السلام) له: "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك".
فقلب الإنسان بحسب الفطرة التي فطر عليها لا يمكن أن يتعلق بالنقص أو بما يسبب له الضرر ففي أعماق كل إنسان فطرة ينبثق منها هذا الحب، وهي لا تريد ولا تطلب سوى الكمال المطلق لذلك أرسل الله تعالى الأنبياء إلى الناس، ليس لأجل وضع الفطرة فيهم أو إنشائها في بواطنهم، بل من أجل هدايتهم إلى ما تصبو إليه هذه الفطرة الكامنة، والنظر إلى من يجب أن يحب القلب وأن يتعلق، فهناك تعلق سلبي يأخذ الإنسان نحو الهلاك وهناك تعلق بكمالات الله تأخذ بيد الإنسان إلى اطمئنان تام، ومن هنا يكون مفهوم الحب قد وصل إلى أسمى غاياته في رضا الله وصلاح النفس والبعد عن كل ماهو دنيء، قال عز وجلّ: (قُل إِن كُنتم تُحبونَ اللّه فَاتبِعوني يُحبِبكمُ اللّه).
اضافةتعليق
التعليقات