من المعروف أن لمقاربة التواصل التعاطفي تاريخ طويل. بدأت هذه المقاربة في العام 1992 كتجربة شكلية طوّرها مارك مع مجموعة من المعالجين والعلماء النفسانيين في لوس أنجلوس. في ذلك الوقت، تألّفت مقاربة التواصل التعاطفي من ثلاثة قوانين فقط: استرخ، وتحدّث ببطء، وليأخذ كلٌّ دوره في قول كل ما يتبادر إلى ذهنه من دون مراقبة.
كانت المقدمة المنطقية بسيطة: إذا استطعنا أن نتكلم من أعماق وجودنا - مقارنة بالطرق الدفاعية التي نتحدّث بها عادة مع الآخرين - فقد نتمكن من نقل مشاعرنا ورغباتنا بصدق أكثر، وغضب أقل، وحساسية أكبر، وعلاوة على ذلك، إذا سمحنا لأنفسنا أن نتكلم عفوياً من نفسنا الداخلية الأعمق - من دون فرض روزنامة عمل خاصة على المحادثة - فسيصبح الحوار ملائماً أكثر وذا معنى لكلا الفردين.
سنكون قادرين على الوصول إلى حقائق عاطفية أعمق من دون خوف، وسنولد بالتالي المزيد من المودة والثقة مع الآخرين. عندما نعلّم مقاربة التواصل التعاطفي للآخرين، نقوم بتقسيم الناس أزواجاً ونرشدهم خلال سلسلة من تقنيات الاسترخاء المُختبرة جيداً. ويتبع هذا عدة تمارين تخيل مرتبطة بالقيم. ثم نخبرهم أن يَدَعوا محادثتهم تنساب في أي اتجاه تريد اتخاذه، وأن يحرصوا على الإجابة فقط عما قاله الشخص الآخر لتوه. تملك هذه الاستراتيجية القدرة على مقاطعة الأجندات الداخلية التي يفرضها معظم الناس من دون قصد على الآخرين عندما يتكلمون. بالرد فقط على ما قاله الشخص الآخر لتوه، يتعلّم المتكلّم والمستمع على حدّ سواء كيف يركّزان انتباههما على اللحظة الحالية، وهذا يتيح بناء اتصال أقوى بين الشخصين. ولكن الطلب من شخص أن يبدأ محادثة من دون روزنامة عمل يبدو أمراً مخالفاً للبديهة، وللوهلة الأولى، قد يبدو هذا غير عملي في مكان العمل. ولكنه ليس كذلك. نعم، غالباً ما يشكّل موضوع محدّد الأساس لإجراء محادثة، ولكن حالما يبدأ الحوار، قد تكون هناك مسائل مستترة يجب معالجتها كونها تؤثّر سلباً في قرار أو إجراء حاسم. إذا لم نُنشئ حيزاً يمكن فيه لهذه المشاكل والمخاوف المخبوءة أن تُميَّز وتُعالَج، نكون إذن قد أخفقنا في التواصل بفعالية. يُنشئ التواصل التعاطفي مثل هذا الحيّز بتقييد زمن المتكلم وزيادة الاستماع الفعال. كما أنّ التشجيع المتعمَّد للعفوية في الحوار يُعد واحداً من أفضل الطرق لحل المشاكل لأنه يولّد أفكاراً جديدة وحلولاً لا يمكن للأشكال الأخرى من الحوار بلوغها.
في العمل، يُطلق على هذه الطريقة اسم عصف الأدمغة من منظور عصبي، تستفيد هذه الطريقة من الإبداعية التي تشتهر بها فصوصنا الجبهية، والتي يحبّذ بعض العلماء أن يسميها معرفة من دون ضبط. مع الحالات التي يحاول بها الشخص إقامة علاقة مودّة، يمكن أن تبدو روزنامة العمل المتصوَّرة مسبقاً مثل مناورة باردة بالنسبة إلى الشخص الآخر. وهذا الأمر صحيح أيضاً في مكان العمل عند تحدثك العملاء والزملاء هم أيضاً بحاجة إلى أن يُسمعوا، ولهذا لا بدّ من التوصل إلى توازن بين امتلاك روزنامة عمل ومتابعة التدفق لجدال لحظي.
تعتبر تجربة التدفق هذه عنصراً رئيسياً في مقاربة التواصل التعاطفي، وتُظهر الأبحاث أنها تستحثّ طاقة عمل مُثلى مع أكبر إمكانية للإبداع، ومع القدر الأدنى من الجهد والتحكم الواعي. من أجل إعطاء الفرد إحساساً تجريبياً بقوة العفوية اللحظية، قمنا بتطوير بروتوكول تدريب محدد تمرين مكتوب مدّته 20 دقيقة، وفيه يجلس شخصان ويمارسان العناصر الإثني عشر لمقاربة التواصل التعاطفي.
أشخاص مختلفين، سيكون بإمكانك أن ترى كيف يمكنه أن يحوّل محادثة عادية إلى حدث مدهش كلّما مارست تمرين التدرب أكثر، يصبح دمج التواصل التعاطفي في محادثات العالم الواقعي أمراً أكثر سهولة.
يتبيّن أنّ المحادثة المسترخية الهائمة لها منافع أخرى أيضاً. على سبيل المثال، يمكنها أن تقلل القلق الاجتماعي لدى الناس الذين يشعرون بعدم ارتياح لدى دخولهم في أوضاع جديدة. كما تتيح للشخص أن يصل إلى مستويات أعمق من المادة اللاواعية من دون أن يصبح مُربكاً بمحتوياتها. هذا العنصر من مقاربة التواصل التعاطفي مشابه لعملية التحليل النفسي الفرويدية المعروفة باسم الارتباط الحرّ free association وممارسة التأمّل المعروفة بالتيقظ mindfulness. تساعد كلتا الاستراتيجيتين الفرد على البقاء مسترخياً وفي اللحظة الحالية، حيث يمكنك أن تراقب إنتاجات عقل مشغول ضاجّ غير مُقاطع بعدد لا يُحصَى من الأفكار المشتتة.
اضافةتعليق
التعليقات