لاحظوا بدن الإنسان وهيكله تجدونه مديناً في حركته إلى العظام والعضلات. فلو أنّ جسم الإنسان كان كلّه عظماً لما تمكن أن يدير رأسه ولا أن يرفع يده ولا أن يمشي بل سيكون مضطراً لأن يبقى ممدداً طيلة الوقت في حالة واحدة.
كذلك إذا كان بدن الإنسان كلّه عضلات ولا عظم في جسمه، فإنّه أيضاً لا يقوى على الحركة بل سيظل كتلة ملقاة على الأرض لا يتمكن أن يجلس أو يسير لأنّ قوة العظم وشدته هي التي تحمل الإنسان وتجعله يقوى على القيام والقعود وحمل الأشياء و...
ومن ثم كان بدن الإنسان محتاجاً إلى العظم والعضل معاً ليكمل أحدهما الآخر في مهمة الحركة والقيام بأعباء الحياة.
إنّ مَثل الرجل والمرأة في الحياة مَثل العظم والعضل في بدن الإنسان، وثم مثل آخر نضربه لتوضيح الموضوع والأمثال كلّها من الطبيعة وكم لها من نظير وهو أنّ الحياة مزيج من العقل والعاطفة والشهوة، فإنّ الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها. فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، ولا وجدتَ مجلساً منعقداً بعض يتكلّم وبعض يستمع، فإنّ العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها.
كذلك لا تستقيم الحياة لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً. ولا انعقد مجلس كمجلسنا هذا أيضاً، فلا أنا كنت مستعداً لأن أتكلّم في مجلس كهذا ولا أنتم كنتم مستعدين للحضور في مثل هذا المجلس والاستماع إليَّ. لأنّ كلاًّ منّا كان يفكر أنّه ينبغي أن يكون رئيساً أعلى لدولة كبيرة أو مرجع تقليد كبير؛ أو على الأقل متحدثاً لجمهور كبير. فبالعاطفة المجرّدة عن العقل يبحث كلّ إنسان عن طريق يسود فيه ويفرض شخصيّته على الملايين. لكن الحياة بقيت متوازنة بوجود العقل والعاطفة معاً.
ومَثل المرأة والرجل في الحياة كمثَل العاطفة والعقل، ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة خلافاً للرجل ـ في الغالب ـ فهو كيان يتغلب فيه العقل على العاطفة.
ومن الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما كما تختلف واجبات العضل عن العظم. فاستقامة البدن بالعظام وحركته بالعضلات، ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن.
روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: (لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإذا استووا هلكوا).
أو مثَل آخر: لو أردتَ أن تساوي بين المرأة والرجل في كلّ الأمور تكون كمَن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة أجهزة دقيقة. فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات استُفيد منها بالوجه الصحيح.
ومثال آخر ـ والأمثلة كما قلت كثيرة: لو ساويت في الأكل الذي تقدّمه لببغاء صغير وفرس، فربما مات الببغاء تخمةً والفرس جوعاً.
ولذلك قال الله تعالى: «ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف» أي بما يتناسب وطبيعة كلّ منهما. فإذا أردنا أن نُدخل النساء المعامل الثقيلة أو نُسكن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنْزلية، فكلا الفرضين يحدث شللاً في الحياة. والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية. فمن أين جاءت هذه المشاكل مع أنّ البشر هم البشر والرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة؟ الجواب: لأنّ واجبات المرأة أُخذت منها وخُوّلت للرجل، وواجبات الرجل أُخذت منه وأُعطيت للمرأة، لذلك حدث شلل في الحياة الأسرية ومشاكل، وبدأ الرجال يزدادون تنفراً من زوجاتهم، والنساء يزددن تنفراً من أزواجهن، وأخذت نسبة الطلاق تتزايد يوماً بعد يوم.
ولو نظرت إلى الدراسات التي أجريت على إحصائيات نسبة الطلاق في أيّ بلد من البلاد الغربية المتمدنة منذ عام 1900م والعقود التالية لرأيت معدّلاتها في تصاعد مستمر، لأنّ كلاًّ تخلّى عن بعض واجباته وقام بواجبات الآخر، مع أنّه ليس كفئاً لها، والحياة حياة الأكفّاء، كما هو الحال في الحياة المادية. فالمهندس يدرس سنوات لكي يتخصص في مجال ما؛ ليعطيك رأيه في الخصائص التي ينبغي أن يتحلى بها سقف بناءٍ ما مثلاً لكي يتحمّل وزناً ما.
فإذا كان جانب صغير من الحياة المادية يحتاج لكلّ هذه الدراسة والكفاءة، أفيصحّ بعد ذلك أن يكون حال البشر المؤلَّف من المادّة والمعنى، هكذا هملاً ومن دون تقدير.
لقد صعدوا بالمرأة من جانب ونزلوا بها من جانب آخر فتولدت المشاكل. إنّ المرأة مثال العاطفة في الحياة، فالأمور التي تحتاج إلى العاطفة مخوّلة للمرأة، بينما الرجل مثال العقل ولذلك أوكلت إليه الأمور التي تحتاج إلى عزم وتصميم، ومن هنا قال الله تعالى: «وللرجال عليهنّ درجة».
قد يثار هنا سؤال هو: هل العقل يسيّر العاطفة أم العاطفة تسيّر العقل؟
نقول في الجواب: إنّ العقل هو الذي يسيّر العاطفة. يقولون: إنّ كلّ الثورات التي تحدث في العالم تحتاج إلى أمل وألم.. بل كلّ حركة وراءها أمل وألم. فالألم يحرّك الإنسان والأمل مظهر العقل، والعقل يحدد الأبعاد، فمثلاً الإنسان الشبعان الذي لا يعاني من ألم الجوع لا يبالي بترك أيام من العمل. أمّا الإنسان الذي لا يجد غذاء يتناوله ويشبع بطنه إن لم يخرج للعمل، فهو لا يترك حتى يوماً واحداً من العمل وإن كان عمله عاديّاً جدّاً، فالألم هو الذي يحرّك الإنسان، ولكن الأمل هو الذي يضع إطاراً وحدوداً للحركة.
مقتطف من كتاب (حقوق المرأة في الاسلام) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي
اضافةتعليق
التعليقات