لا نُخلق قادرين على المشي، يتدرّج الأمر في مراحل الطفولة المختلفة من القدرة على تمييز الأصوات والضوء والروائح، الشعور بالجوع أو العطش، البحث عن الدفء والاحتواء، فهم ما يجري من حولنا، والاستجابة لحاجات الجسد، من الرغبة بالاستكشاف، الحبو، الوقوف بمساعدة التشبث بالأشياء، التعثر، المشي خطوات صغيرة مترددة، التعثّر مجدداً، ثم ننطلق بالجري كأن الكون كله لنا. وعلى مدار السنوات التي نروحُ فيها ونجيء، مُختالين بقدرتنا الجسدية والعقلية، تعترضنا المطبات، نهفو، ننكبُ على وجوهنا، نتعرض للأذى ثم نقوم لنُكمل الطريق.
كل شيء يتم بشكلٍ تدريجيّ، يتعافى المرء من الألم الروحي على مراحل، ويتماثل الجُرح للمعافاة بعد مروره بأطوارٍ مختلفة كي يصل إلى مرحلة الشفاء التام، وهكذا ينطبق الأمر على كلِ مخلوقٍ وكل شعور وكلُ يوم من أيامنا في هذه الدُنيا. التدرّج الصحي هو السبيل الأكمل للحل. أنت لا تُصبح محترفاً بعد الخطوة الأولى وبعد تجربةٍ واحدة، لا يتطهر قلبك من عوالق الدُنيا بعد بكاءٍ واحد، ولا تُحفظ القصيدة إلا بعد تقسيم أبياتها وتكرار ترديدها، وقد خلق الرحمن السماوات والأرض في ستةِ أيام، وهو الذي يستطيع بقدرته أن يخلقها بلمح البصر، ويُتم إنشائها بأمرٍ واحد، كُنْ فيكون. وهو الذي بحكمته سلسل نمو الجنين والنبات وسائر المخلوقات، من العدم وحتى الكمال. ومن حكمة الله الذي لا حدود لحكمته وعلمه نستنتجُ دروساً ننتفعُ بها في أيامنا هذه في كل أحوالنا ومشاعرنا وما تضعه أمامنا الأقدار وفق حكمةٍ نجهلها ويعلمها هو وحده.
إن كل من قد وصلوا لمراحل مختلفة من التطور والاحترافية في مستويات الفن والعلم والهوايات كافة، لم يعبروا من مرحلة المبتدئين لمرحلة الاحتراف إلا بعد المرور بمراحل مختلفة من التشذيب والصقل لهذه المواهب، فمحترف برنامج (فوتوشوب) حين بدأ كانت واجهة البرنامج تُشكّل فوضى هائلة بالنسبة له، ومحترفو التصوير بدأ معظمهم من هاتفٍ محمول بدائي لا مزايا مُساعدة فيه لكنهم واصلوا بإصرار رغبة أن يرى العالم من خلال عدستهم ما لا يمكن وصفه بالكلمات أو نقله بالحديث.
لا تقف في المنتصف لأن أحدهم قال لك "لن تنجح إلا إذا أصبحت محترفاً"، نعم، ستُصبح كذلك ذات يوم، ستكون في المراتب الأخيرة، لكن بعد أن تمر بمخاضٍ يُنتجُ منك نسخةً جديدة، نسخةً قد سعت واجتهدت وهذّبت نفسها لكي يُشار لها بالبنان وتشق طريقها وسط الجموع، نعم ستصل إلى القمة، لكن المهم أن تبدأ.
اضافةتعليق
التعليقات