رغم أن أفكارنا تؤثر في عواطفنا وسلوكنا وردود أفعالنا الجسدية، إلا أن التفكير الإيجابي بمفرده ليس حلا لصعوبات الحياة. فمعظم الناس الذين يشعرون بالقلق أو الاكتئاب أو الغضب، يمكن أن يقولوا لك: إن «مجرد التفكير الإيجابي» ليس بالأمر السهل. وفي الحقيقة، إذا حاولنا أن نحصر الأمر بالأفكار الإيجابية فقط عندما تكون لدينا عواطف قوية، فإننا قد نغفل بذلك مؤشرات هامة تدل على وجود خلل ما يجب تصحيحه. وتقترح المعالجة المعرفية بدل هذا، أن يحاول الناس النظر إلى الأمر من أكبر عدد ممكن من الزوايا. فالنظر إلى حالة ما من عدة جوانب – إيجابية وسلبية ومحايدة – يمكن أن يؤدي إلى حلول واقتراحات جديدة.
افترض مثلاً، أن ماريسا قد فقدت عملها (وتذكر أنها قد استلمت خطاباً مكتوباً من رب عملها يخبرها أن عملها كان متأخراً أو ضعيفاً). فإذا اعتقدت ماريسا أنها سرحت من عملها لأنها كانت حمقاء، أو أنها ارتكبت أخطاء كثيرة، وركزت فقط على هذه الأفكار، فإنها ربما تشعر بالاكتئاب ولربما اقتنعت بأنها لن تكون ناجحة في أي عمل. ذلك، فهي لو فكرت بنقاط القوة في حياتها المهنية، بالإضافة إلى التفكير في أخطائها، فلربما ركزت بوضوح أكثر على مهاراتها الجيدة، والمهارات الأخرى التي تحتاج لبعض التحسين والتطـوير، وهي تبحث عن عمل جديد.
وربما استطاعت أيضاً أن تفكر في بدائل أخرى لفهم أسباب تسريحها من عملها. فقد لا يكون التسريح بسبب أخطائها فقط، وإنما بسبب الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الشركة، أو بسبب تمييز ما ضدها. وقد تسأل أنت: «وما تأثير كل هذا؟ فقد خسرت عملها على كل حال!» وفي الحقيقة، هناك تأثير كبير لهذا الأمر. لأنها إن اعتقدت أن خسران عملها كان بسبب أخطائها فقط، فالحل الوحيد الممكن هو أن تغير نفسها. بينما إذا كان خسران العمل يعود لأسباب إضافية أخرى، فإن ردود أفعالها والحلول المطروحة ستكون مختلفة تماماً. فهي قد تشعر بالغضب وتقدم احتجاجاً على طردها من عملها، أو قد تبحث عن عمل مشابه في شركة أخرى أكثر نجاحاً من شركتها الأولى.
هل تغيير طريقة تفكيرك هي الوسيلة الوحيدة لتتحسن؟ بالرغم من أن تحديد الأفكار وتغيرها يعتبر الجزء المركزي في المعالجة المعرفية، فإنه من المهم كذلك إحداث تغير في ردود الفعل الجسدية، والسلوك، والبيئة. فإذا كنت مثلاً تشعر بالقلق منذ مدة طويلة، فيغلب أنك قد أصبحت تتجنب الأمور التي تجعلك قلقاً. ومن طرق التكيف مع القلق، أن يتعود الإنسان على الاسترخاء (تغير جسدي)، والتأقلم مع ما يظن بأنه أمر خطير، ولكن مع تجنب المواجهة (تغير سلوكي).
لا يشفى الناس عادة من القلق حتى يترافق تغير الأفكار بتغيرات في سلوك التجنب والابتعاد عما يقلق. ولتحسين حالك ومشاعرك، قد يكون من المفيد كذلك إحداث تغيير في البيئة. كإنقاص درجة الشدة والتوتر، وتعلم قول «لا» للطلبات غير المعقولة من قبل الناس، وقضاء وقت أطول مع الذين يتفهموننا ويدعموننا، والعمل بالقرب من زملاء العمل لتحسين شروط سلامة المعمل، والاستفادة من قوانين العمل لمنع التحيز والتمييز، فكل هذه التغيرات البيئية من شأنها أن تحسنك.
إن بعض عوامل البيئة تعتبر شديدة التحدي، لدرجة يصعب معها أن يتحلى أي إنسان بالنظرة الإيجابية نحوها. فالإنسان الذي أسيئت معاملته في طفولته مثلاً من قبل فرد من أسرته، قد يحتاج لمساعدة لتغيير الظروف أو تركها والابتعاد عنها. إن مجرد تغيير الأفكار لا يعتبر كافياً في حالات إساءة المعاملة، فالهدف أن توقف هذه الإساءة. ويمكن لتغير التفكير أن يعين الإنسان في هذه الحالة، فيشجعه على بداية طلب المساعدة.
إن تغيير أفكارك فقط في مجال قبولك للإساءة قد لا يكون الحل الأفضل لهذه الحالة. إنك عندما تنتهي من صفحات الواجبات في هذا الكتاب، فستتعلم عندها كيف تميز وتغير أفكارك، وعواطف وسلوك، وردود أفعالك الجسدية والبيئة.
تساعد الأفكار في تحديد وتمييز العواطف التي نشعر بها. تؤثر الأفكار في سلوكنا ، وما نختار من فعل أو ترك ، وكذلك نوعية وكفاءة إنجازاتنا.
تؤثر أفكارنا ومفاهيمنا في طبيعة استجاباتنا الجسدية العضوية للمؤثرات البيئية أثر كبير في تحديد المواقف والمفاهيم والأفكار التي تتكون في الطفولة، والتي غالباً ما تستمر حتى الكبر. تساعدك المعالجة المعرفية على رؤية كل المعلومات المتوفرة لديك، وليس فقط مجرد التفكير الإيجابي. بالرغم من الأهمية المركزية لتغير الأفكار، إلا أن كثير من المشكلات تتطلب أيضاً تغيراً في السلوك والوظائف الجسدية والبيئة .
اضافةتعليق
التعليقات