من هو الإنسان المثالي؟ غالباً ما يُطرح سؤال كهذا، وسرعان ما يتبادر في أذهاننا أنه شخص بخصالٍ ملائكية لا تشوبها شائبة، فمثاله كمثال البرج العظيم، أو كناطحات السحاب التي تكون بين بيوت صغيرة متواضعة.
هكذا هو الإنسان المثالي مقارنة بينه وبين سائر الناس العاديين.. وأرقى مثال لهذا النموذج، هو رسولنا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآلِه) وأئمتنا الأطهار (سلام الله عليهم)، حينما نال الرسول المدح الإلهي في كتاب الله العزيز لسمو أخلاقه؛ بقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم".
فعندما يمدح الله جلَّ وعلا رسوله في كتابه الكريم بمديح كهذا.. يمكننا أن نتأمل ولو لبرهة من الزمن أنه إلى أي مدى ارتقى رسولنا الحبيب في درجات الكمال.. وإلى أين وصل في قربه من العلي الأعلى.
فنبينا محمد (ص) هو المثل الأجل والأسمى للإنسان المتكامل المثالي، إذاً فهو خير قدوةٍ لأمته وأسوة لمن تأسَّى.. وأحب العباد إلى الله المتأسِّي بنبيه والمقتفي لأثره.
قال الله عزَّ وجل في كتابه العزيز: لَّقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (سورة الأحزاب).
لذا يحتم علينا أن نندفع بخطواتنا نحوه ونتخلَّق بأخلاقه وبالأئمة الأطهار (ع) لنحلق إليهم عالياً نحو سماء المثالية؛ نعم فإننا لا نستطيع أن نحلِّق إلى مستوى تلك العلياء كما هو واضح، ولكن يمكننا أن نسعى لنصل إلى ما يمكن أن نصل إليه كما قال أمير المؤمنين (ع): "ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد" (نهج البلاغة).
نعم فلا نقدر بأن نكون نسخة طبق الأصل من النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (ع)، ولكن بإمكاننا أن نجتهد لننال قربهم وجوارهم في جنان الخلد.
فمن كان أحسن الناس خُلُقاً حُشِرَ مع النبي وهذا ما أجاب عنه النبي (ص) بقوله:
" إنّ أحَبَكُم إلَيَّ وأقرَبَكُم مِنّي يَومَ القِيامَةِ مَجلِساً أحْسَنُكُم خُلقاً وأشَدُّكُم تَواضُعاً". (المصدر: بحار الأنوار: ج71، ص385، ح26).
فمن كانت لديه مكارم الأخلاق أو سعى لاكتسابها كان النموذج الجلي للإنسان المثالي، فهو الذي يرتقي الى الكمال بأفكاره وأخلاقه وأفعاله؛ فيكون بذلك إنساناً ذا عقل كامل ولُبٍ راجح، وعلى أساس ذلك يصبح مرغوباً بِه اجتماعياً ومحل ثقة عند الجميع، كما وصفت قريش النبي محمد (ص) قبل بعثته النبوية "بالصادق الأمين" لما رؤوا منه من صفات جوهرية متكاملة.. فأصبح (ص) محل ثقة الجميع .
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه هنا؛ كيف بإمكاننا أن نرتقي سُلَّم الكمال؟؟ وما الذي يتحتم علينا فعله لنصل إلى هذا المستوى الرفيع؟؟ إن الأمر سهل وقد وضع الله تعالى مفاتيحه بأيدينا وهو أن نتضرع إليه سبحانه بانقطاع ورجاء حقاً ليلاً ونهاراً، وأن نجتهد في ربط سفينتنا بسفينة أهل البيت (ع).
إِنها مرحلة جوهرية حقا، ومن يريد الوصول إليها سوف يواجه حتماً الصعوبات. لكن نقول هنا أن الإرادة تفعل المستحيل..! فالطريق المثالي هو كباقي الطرق يشوبها الصعاب حتماً بمختلف أنواعها وأحجامها فإنها، تحتاج صبراً وحلماً وتقوى وقناعة في الرزق وشكراً وطلاقةِ في الوجه وما إلى ذلك من الصفات الحسنة والمطلوبة لتهذيب النفس وإصلاحها.
فالإنسان المثالي لا يرضى بالجائز من الأفعال، بل يأخذ لنفسه بأحسنها وأكملها ويطهر نفسه أيضاً من الرذائل الخُلقية، كالكبر والحسد والبخل والخبث والطمع والرياء والفخر وحب المدح والعصبية والرغبة والرهبة لغير الله وغيرها من الرذائل المهلكة، فالشيطان (لعنه الله) يعرف نقطة ضعف كل انسان ليسحبه بذلك الى الرذائل الأخلاقية ويوقعه في شباكه، فهو يستخدم خيوطاً وحبائلَ ملونةً وحتى سلاسلاً، فالإنسان البعيد عن الله يسحبه الشيطان بخيط فقط.. والبعض بحبل.. وأما المؤمنون يسحبهم الشيطان بسلاسل.. إذاً يستخدم الشيطان سلاحه حسب درجة إيمان الشخص.
ولكن هنا تتجلى إرادة الإنسان المؤمن وقوته..!
فنحن جميعا نحتاج إلى رقابة نفسية دائمة، لأن النفس أمَّارة بالسوء "إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي"، ولهذا وضع القرآن الكريم وأئمتنا الأطهار (ع) أسساً وقواعدَ للإنسان المتكامل المثالي ومن اتبعها حرفياً وتجنب ما نُهُوا عنه ارتقت روحه الى العليا وبلغ غايته المنشودة وتجلت بجسده الروح المراد بها فيرتقي بها في الدنيا والآخرة ..
ومن هذه الأسس والقواعد ما قاله الإمام الصادق (ع): "إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَصَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فامْتَحِنوا أنفسَكُم؛ فإن كانتْ فِيكُم فاحْمَدوا اللهَ عزّ وجلّ وارغَبوا إلَيهِ في الزّيادَةِ مِنها. فذكَرَها عَشرَةٌ : اليَقينُ، والقَناعَةُ، والصَّبرُ، والشُّكرُ، والحِلْمُ، وحُسنُ الخُلقِ، والسَّخاءُ، والغَيرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُروءَةُ". (المصدر: أمالي الصدوق: ص184، ح8).
إذاً يجب علينا أن نرابط على الأئمة الأطهار (ع) أي أن نواظب على أمرهم.
فعن الإمام الصادق (ع): "اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمة".. (المصدر: تفسير القمي ج١ ص ١٢٩).
فمن فوائد المرابطة: أدرَّ الله رزقه وبلغه أمله وشرح صدره للإيمان وللعلم أيضاً فتكون خالصة لله تعالى، فلا يتعلم العلوم ولا يقرأ الروايات، إلا بهذه النية؛ أنني أعد نفسي لكي أكون من أعوان الإمام المهدي (عج) قدر ما يمكنني من الإعداد والاستعداد .
وعلى الإنسان دوماً أن يملأ ذهنه ومحيط قوته المتخيلة والمتوهمة بالصور المشرقة المشربة بالإيجابية، وبالمعاني السامية الربانية مثل: الوفاء والصدق والمحبة في الله وبالله ولله والتوسل والتوكل، فإن هذه المعاني عندما يستحضرها الإنسان في ذهنه دائما فإنه سوف تتغير نفسه وتسمو، ويتحول إلى شخص آخر أكثر كمالاً وفضيلة وتقوى بإذن الله تعالى .
ومن ناحية علم النفس يقول علماء التنمية البشرية أن التصور يسهم في صناعة التصديق في أحيان كثيرة.. فالتفكير الإيجابي المداوم عليه والتحرر من الأفكار السلبية التي تفسد محتوى عقلك تعكس على أفكارك وتصرفاتك وتجنبك بذلك الأفعال الرديئة التي تخدش شخصيتك ومستقبلك فتكون بذلك الشخص الأفضل وتُغير بذلك مصيرك وقدرك المحتوم.
تأكد أنَّ عندك القوة..!، وأنك تستطيع أن تكون، وتستطيع أن تملك، وتستطيع القيام بعمل ما تريده، وذلك بمجرد أن تحدد بالضبط ما الذي تريده وأن تتحرك في هذا الاتجاه بكل ما تملك من قوة، فمن كانت لديه العزيمة وسعى بكل ما لديه من طاقة ومجهود لإصلاح سريرته؛ أصلح الله تعالى سيرته.
إذاً فلنقتلع المستحيل من قاموسنا..!
ولنرتقِ نحو "الخلق العظيم" وأن نحتاط أشد الاحتياط وأن ندقق كي لا تصدر منا حتى معصية واحدة، لأن هذه المعصية قد تجر إلى معاصي أخرى وقد تحطم كل إيمان الإنسان، وبذلك تسلب النِّعم.. فإن النعمة إذا ذهبت فقد لا تعود كالصحة والمال والعلم والفضائل و... وذلك الاحتياط والورع هو المطلوب منا لسبعين سنة (أو أقل أو أكثر) فقط ثم لننعم لملايين السنين بل إلى مالا يتناهى من السنين في جنان الخلد بإذن الله تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات